إنها عمان؛ حبيبتنا وعاصمتنا، ومستقر أمننا، ودرة مدننا، ومن نباهي بها العواصم أمنا وأمانا، ونرعاها لتكون سيدة المكان والزمان، ونحفظها بحدقات العيون، ونفديها بالمهج.
إنها عماننا. ونحن العمّانيون من حقنا أن نفخر بها، ونحلم على جناحها بحرية أوسع، وأمن أشمل، وفضاء أرحب؛ ومن حقنا أن نسير في شوارعها بدون وجل، وأن نذهب إلى أسواقها و"مولاتها" وحدائقها بدون خوف.
نعم، من حقنا يا عمان أن نسير في شوارعكِ لنطالب بإصلاح أوسع، وأن نختلف في الرأي تحت سمائك، ونتحاور بين أرجاء مكانك. ولكنه حوار لا يفسد للود قضية؛ فيبقى الجميع عينه على الأردن ودرة مدنه عمان، لا يرضون لها إلا السؤدد.
في عمّاننا، تستطيع عصافير الحي شدو الأشعار، وعلى جبالها يفرد الحمام أجنحته سلما وسلاما، وفي حاراتها يخوض أطفالنا مغامرات فرح ومرح لا تنتهي؛ فمن ذا الذي يريد تلويث ثوبك الأبيض؟!
عمان الحبيبة حد العشق والجنون، ومدللتنا حد التوحد، والصبية بهية الطلعة والمحيا، والأم والأخت والحبيبة؛ وهي من تربت على كتفنا عندما نشعر بتعب الحياة، وشقاء اليوم، وقساوة الزمن، وحتى تغول الأسعار.
إنها عماننا، ومن حقنا أن نباهي بها الدنيا؛ إذ كبرنا معا، فتوسعت مع كل حبة عرق كدها عامل، ومع كل معول ضربه محب لها كان يريد أن يراها سيدة المدن والعواصم. وتعامل معها العمّانيون كحبيبة لا يرضون أن يغضبها أحد، أو يخدش حياءها إنسان، أو يعكر صفوها أو يقلق نومها كائن من كان، فكانت تُسقى من حدقات العين، ونضمها بالجفون، ونُسكنها تحت الحدقة والرمش.
كبرت، توسعت، تمددت.. فأصبحت محط أنظار شقيقاتها الأخريات؛ كالزرقاء وإربد والسلط والكرك، ومضرب المثل لهن. وربما غار منها البعض حينا، ولكنها غيرة المحب العاشق.
حبيبتي عمان! كبرت.. توسعت.. ولكنك ما تزالين عمّاننا نحن، ومن حقنا نحن؛ فأنت نيشان تعبنا، وشجرتنا التي زرعناها فكبرت، فظللت من جاؤوها من كل حدب وصوب بغصون لا تنكسر، واستقبلت الجموع بصدر مفتوح وأمنتهم، فكانت الوسادة التي يحلمون عليها، والذراع التي تحميهم.
حبيبتي عمان، سلامٌ عليك، سلامٌ مفعم بعطر الحب والعشق والهوى، يفوح منه حبٌ لشوارعك وأزقتك، وحاراتك، وجبالك السبع، وكل حي وضاحية فيكِ.
حبيبتي عمان، مربع صبانا، وعشق طفولتنا، وشقاوة الولدان، وأحلام الآباء، ونسيم الروح، وهديل الحمام، وتمدد العمران؛ عمان رأس العين، وجبل النظيف، والجوفة، والتاج، والنزهة، والأشرفية، وحي نزال، والشميساني، وعبدون، والرشيد، ودابوق.. سلام على كل شبر فيكِ شرقي وغربي، شمالي وجنوبي، ووسط. عمان تيهي بجمالك، فلن تلوثك أحقاد حاقدين، وأطماع طامعين، وتآمر مخربين، فأنت ستبقين لنا وسادة حبنا الصادق، ولن يخدش وجهك البهي طارئ، ولو استطاع بعضهم الوصول إليك يوما، فلن يستطيعوا تكرار فعلتهم.
أيا عمان، لا تهني ولا تحزني، فأنت الحبيبة التي ما كنت يوما إلا حضنا دافئا، وبلسما شافيا، وعطفا صادقا، وعنوانا للتآلف والمحبة والوحدة والسلام.
سيدتي أنتِ وحبيبتي التي لا تكذب أبدا، ولا تتجمل، ولا تغير فكرها ومعتقدها، ولا تبدل جلدها وإن بدل الآخرون جلودهم، ولا تغضب من حرد البعض أو مقارنة الآخرين، فالغضب زائل يوما.
عمان بسكانها، بشوارعها، بأطفالها، بحاراتها الضيقة، بالحمام يطير بين جبالها القديمة، بألعاب الورق ترفرف في الهواء، بعصافير النهار تزقزق على غصونها.. ستبقى شامخة بشموخ أبنائها الذين ما أنكروها يوما ولن يفعلوا.
عماننا نكرر ما قاله شيخ الشعراء الذي تاه فيك عشقا وحبا، حيدر محمود، فـ"عمان تبدأ بالعين"، فهي محور النظر وهدفه، وتبدأ بالعين حيث رأس العين بداية الحكاية والعشق.
jihad.mansi@alghad.jo
عن الغد