في كل عام وفي هذه الايام بالتحديد يقوم الاردنيون بـ ( رصع ) الزيتون .. وتجهيز ( المقدوس ) .. وكانوا في السابق يصنعون ( الخبيصة ) و ( الزبيب ) الا ان ذلك لم يعد ممكنا الآن .
بالنسبة لـ ( رصع ) الزيتون العملية في غاية البساطة ونشرحها على عجالة لجماعة ( المرتديلا ) و ( الكورن فلكس ) :
بدل الذهاب ( للمول ) كما تفعلون مرة في الشهر كنا نذهب الى ( كرم الزيتون ) مرة في السنة .. انتم عند وصولكم الى باب ( المول ) تقومون بجر ( عرباية ) لوضع الحاجيات داخلها ونحن ايضا كذلك فعند وصولنا الى ( الكرم ) نأخذ معنا ( دلو دهان ) فارغ لوضع حبات الزيتون داخله ..
انتم ( تتشعبطون ) من طابق الى طابق لاختيار ما يناسبكم .. ونحن ( نتشعبط ) من غصن الى غصن لاختيار الحبات التي تناسبنا ..
انتم داخل المول تتهامسون حول ماهو ضروري وغير ضروري .. ونحن على عكسكم تماما نملأ المكان صراخا على ليش ( لقطتها ) او ليش ( تركتها ) ؟!..
بعد ان تنتهوا من شراء الحاجيات تتوجهون الى المحاسبة فتمر الحاجيات على الجهاز المخصص للمحاسبة تسمعون عدة ( تطويطات ) فتدفعون ومن ثم يتم وضع حاجياتكم داخل اكياس جميلة وبعدها تغادرون .
اما نحن فبعد ان ننتهي من جمع الزيتون فاننا نتوجه الى ( المنزل ) ونقوم باحضار ( قناني ) البيبسي الفارغة ومن ثم نبدأ عملية ( الدق ) كل حبة بحبتها .. العملية ليست سهلة وقد تستمر لعدة ايام وليال مخلفة بعض الاصابات والرضوض الخفيفة .
بعد ان ننتهي من عملية ( الدق ) نضع الزيتون داخل ( مرطبانات ) لا منظر لها ولا محضر .
اما بالنسبة لتجهيز ( المقدوس ) فالعملية ايضا سهلة جدا وتمر عبر خطوات متسلسلة : شراء حبات الباذنجان الصغيرة الحجم السوداء اللون .. ومن ثم القيام ( بنقرها ) من الداخل .. وبعدها نقوم بتعبئتها بـ ( حشوة ) مخصصة لذلك .. ( الحشوة ) هي سر من الاسرار التي لا يمكن البوح بها كونها علامة مسجلة باسم ربات البيوت فلكل واحدة منهن خلطتها السرية .
بعد ذلك يتم وضع ( المقدوس ) داخل ( قطرميزات ) معبأة بالزيت البلدي ..
اما بالنسبة لصنع ( الخبيصة ) و ( الزبيب ) وكلاهما انقرضتا وحل محلهما( الكيك ) و ( النقرشة ) .. فقلة هم من يصنعونها في وقتنا الحاضر نظرا لارتفاع اسعار ( العنب ) المادة الرئيسية التي يصنع منها ( الخبيصة ) و( الزبيب ) .
ينقسم الاردنيون في حقيقة الامر الى من يجهد نفسه في كل عام لتأمين ( مونة ) منزله من الزيتون والمقدوس والجبنة وخلافه بتكاليف مادية بسيطة جدا .. وبين من لا يفضل فعل ذلك فيذهب الى ( المول ) شهريا لتأمين ( مونة ) منزله على الجاهز المستريح وبتكلفة مالية باهظة جدا .
تعاني البلد من ازمة مالية خانقة والحكومة اصبحت ملزمة باستخدام الطريقة الاردنية التقليدية بتوفير النفقات وهي : رصع ( الفاسدين ) واخراج ما في بطونهم .. وحشو ( الموازنة ) بخلطة حكومية صافية الارقام لا يوجد فيها مخصصات لما نشاهده من ترف وعهر .
بخلاف ذلك : سنبقى ( سري ) .. ( مري ) .. بشكل دوري على صندوق النقد الدولي ولن نجد في النهاية الا وضعا اقتصاديا مشابها لما كانت تصنعه جداتنا من العنب الا وهو ( الخبيصة ) ! .
salehabuarab@yahoo.com
العرب اليوم