وقع خطواتي على ذلك الشارع كانت تطرق بيبان الماضي وتوقظ صوراً كنت بحاجة لاستعادتها حتى أرى نفسي في مرآة الماضي.. خطواتي لم تطرق وحدها البيبان وإنما صخب طلاب لم يغادروا السابعة عشرة من عمرهم بعد ينتظرون آباءهم لاصطحابهم من المدرسة كان هو أيضاً يبعثر دفاتري, ويتسلل الى صوت كائن في نفسي يفك أزرار قميصه ويزيل عنه ثياب هذا العام وأمام خوف الصوت من العري أفاجأ بمريول مدرسي يلفه ويعيده عبر دوامة الضحكات الى أيام الدراسة.. فلا أبدي أمام ذلك إلا ابتسامة تعلن قبولي دعوة الحنين إلى أقرب مقهى..***
على هذا الشارع الذي تعبره الفتيات ـ وهن يغلفن أنظارهن المتتبعة للشبان في الناحية الاخرى بعدم الاكتراث ـ سرت يوماً بخيالات تفيض بالأمل متوعدة الدنيا أن تحياها كما تستحق حين أتخلص من مريول المدرسة الذي كان يشكل حاجزاً بيني وبين نظرة الآخرين لي بأنني مازلت طفلة, فهذا المريول هو الزي الذي كان يحتم على والدتي وضع "الساندويشة" في حقيبتي عند كل صباح وبمجرد تخلصي منه بعد شهر واحد فقط وتحديداً عند صدور نتائج الثانوية العامة؛ أصبحت أعتمد على نفسي بكل شيء..
***
المقهى القريب من الشارع بالاضافة الى الواجهة الزجاجية التي حرصت ان لا أبتعد عنها مكنتني من مراقبة الطلاب فإلى جانب الحياة الغضة التي فاض بها الشارع عند خروج الطلبة من مدارسهم لمحت نظرة حسد باغتتني بها فتيات يسلكن ذات الطريق التي سلكتها محملة بالآمال منذ عشر سنوات..
- هل كنت مثلهن جميلة في ثياب المدرسة, وهل كانت الحياة تتورد على وجنتي, والضحكات تزهر على شفتي بهذا الجمال؟
بذلت هذه الافكار عندما كنت أحسن وضع حقيبتي على الطاولة وأرتب تنورتي متهيأة للجلوس.
وصدقاً لم أتمكن من لمس حقيقة تلك الابتسامة التي باغتتني إثر نظرة الحسد تلك.. فالعمر الذي يرفلن فيه لا يمكن أن يصور لهن إلا أنني أواعد حبيباً هنا.. وكيف لهن أن يخطر ببالهن في هذا العمر أن السنوات التي تفر منا تمسي مع الوقت حنيناً يرافقنا في كل لحظة, يدعونا إلى مقهى لطيف فنتجاذب أطراف الحديث.. ويهدينا ثوباً زاهي الالوان قد يعيد الحياة الوردية الى الوجنتين.. ويهمس لنا على سبيل الغزل بأن هذا التورد لم يبلغ أشده بعد.
hakaweebent@yahoo.com