«الحريَّة» لاتعني الفوضى و«الفلتان»!
صالح القلاب
21-10-2012 06:17 AM
لأنه أصبح كلما «عطس» الرئيس المصري محمد مرسي وكلما وجَّه إليه كاتبٌ معروف أو مغمور أو صاحب رأي سياسي إنتقاداً أو اعترض على بعض قراراته ومواقفه كلما هرع «الإخوان المسلمون» الى ميدان التحرير لينددوا وليؤيدوا وأيضاً ليشتبكوا مع مناهضيهم ومناهضي رئيسهم فقد أصبح هناك مطلبٌ شعبيٌّ بضرورة تنظيم التظاهر بقانون يحدد مكان وزمان هذا التظاهر وشروطه ودوافعه وأسبابه وضرورة وضع حدٍّ لفوضى باتت مربكة للناس ومنغصة لحياتهم ومعطلة لأشغالهم.. ومن يشك في هذا الكلام فعليه أن يذهب في زيارة لمصر وأن يستمع إلى ما يقوله المصريون في هذا الشأن.
وهكذا فقد باتت الحياة في القاهرة جحيماً لا يُطاق وبات الحديث عن «المليونيات» وتسيير المظاهرات «الإخوانية» وغير الإخوانية الى ميدان التحرير يشكل هاجساً دائماً بل ورعباً للناس وبخاصة لأصحاب المحال التجارية في هذه المنطقة التي تشكل قلب القاهرة النابض والتي تعاني بالأساس من إزدحامات خانقة وفيها دائماً وأبداً مشاكل «سيْرٍ» صعبة كان حلَّها أحد المطالب التي بقيت تضغط على الرئيس مرسي منذ وصوله الى الحكم وحتى الآن.
ولذلك فقد أصبح تنظيم التظاهر هناك في مصر مطلباً عامّاً بعدما تمادى «الإخوان المسلمون» في استخدام ميدان التحرير بدون مراعاة لا للمكان ولا للتوقيت ولا للشروط المفترضة ولا لحياة الناس وأعمالهم وأرزاقهم فالحرية يجب ألاّ تعني الفوضى ولا أنَّ «كلاًّ ذراعه من الخام يكْسيه» فحرية الإنسان كما هو معروف تنتهي عندما تبدأ حرية إنسان آخر ثم وأن الإخواني ليس «برأسه ريشة» حتى يتوجه الى ميدان التحرير أو إلى ساحة المسجد الحسيني في عمان كلما شعر بـ»السأم» وعنَّ على باله أن يضع نفسه في عيون وأفواه وسائل الإعلام.
إنه لابد من المسارعة الى تنظيم حق التظاهر وحتى بقانون مؤقت الى أن يصبح عندنا برلمان فاعل غير مصاب لا بالهلع من الشارع ولا بالخوف من «الحراكات» ولا بمرض المزايدات كما كان عليه وضع البرلمان السابق الذي ما كان عليه أن يُلغي شرط الحصول على التصريح المسبق لأي مظاهرة وخط سيرها ومكان إنطلاقها ومن أيْن تبدأ وأيْن تنتهي وزمان إنطلاقها وزمان إنتهائها.
إن هذا ليس عيباً فـ»الحرية» لا تعني الفلتان ولا إستباحة الأمكنة والشوارع والتضييق على حياة الناس وقطع أرزاقهم وتعطيل أشغالهم ولهذا فإنه في كل الدول الأوروبية وفي الولايات المتحدة.. وفي بريطانيا بلد الديموقراطية والحريات العامة لا يحق لأيٍّ كان بموجب القوانين الصارمة الرادعة النافذة أن يتظاهر أو يعتصم بدون الحصول على ترخيص مسبق يحدد الزمان والمكان وبحيث يتجنب المتظاهرون والمعتصمون الشوارع والساحات التجارية وبحيث ألاّ يعيقوا حركة السير وبخاصة بالنسبة للطرق المزدحمة أو المؤدية الى المستشفيات والمطارات وإلى خارج لندن أو أي مدينة أخرى.. وهنا فإنه لابد من الإشارة إلى كيف أن الشرطة الأميركية قد لجأت وأكثر من مرة الى تفريق وترحيل الذين بقوا يحاولون الإعتصام في شارع «وول ستريت» إحتجاجاً على الأنظمة المالية والإقتصادية السائدة هناك.
إمَّا نؤسس في إنطلاقتنا الجديدة هذه دولة قوانين تكون فيها الحريات العامة مقترنة بـ»المسؤولية» ومقترنة بالإنضباط وعدم تعطيل حياة الناس وقطع أرزاقهم وإلاّ فإن الإستمرار بهذه الفوضى غير الخلاّقة ،ولا توجد أيَّ فوضى خلاّقة حتى تلك التي كانت داخل جمجمة جورج بوش الإبن عندما أطلق هذا الشعار السخيف في بدايات هذا القرن، سيكون ثمنه غالياً ومكلفاً وإلاّ فإننا سنجد أننا ،إذا واصلنا ممارسة كل أشكال هذا الفلتان المدمّر بإسم الديموقراطية والحريات العامة، وقد أصبحنا وذات يوم غير بعيد ،لا سمح الله، كغربان الشؤم التي تنعق فوق الأطلال المهدَّمة!! (الرأي)