كريماتُنا اللواتي (وأدْنا أسماءَهُن) .. هاشم القضاة
20-10-2012 05:04 AM
عبر الصيفُ وعبرت معه عشراتُ البطاقاتِ التي طرقت بوابة البيت دعاني فيها الطيبون من الأقرباء والأصدقاء لمشاركتهم أفراحهم بزفاف أبنائهم
وبقيتُ كلما استلمتُ بطاقةً منها تثورُ في أعماقي مشاعرُ الحمدِ والشكرِ لرب العالمين على نعمة التواصل التي ما زالت الصفةَ الغالبةَ على أبناء الأسرة الأردنية الواحدةِ، ومع ذلك فثمة مسألةٌ ظلّت على مدار السنين الماضية تحزُّ في النفسِ وتبعثُ فيها الأسف كلما قرأت في العمود الأيمن من البطاقة اسم العريس بكلِّ وضوح ، بينما يخلو العمود الأيسر من اسم العروس مكتفياً والدها باستبدال اسمها بكلمة (كريمته)، فلا يعرف القارئ أيَّاً من بنات قريبه أو صديقه هي المزفوفة، والأصلُ في موروثنا الاجتماعي والديني هو إشهار الزواج ليعلم الناس أنّ فلانةً أصبحت زوجةً لفلان وفقاً لشرع اللّه وسنة رسوله .
يحدث مثل ذلك في كثيرٍ من الأحيان دون أن يخطر في ذهن والد العروس أنّ (كريمته) لها أحاسيسُ ومشاعرُ، وإنّ إطفاء اسمها في أسعد يومٍ وأهمِّ مفصلٍ في حياتها إجحافٌ وجحود، إن لم يكن اعتداءً صارخاً على إنسانية الإنسان.
لا أُريد في هذه المقالة أنْ أُنصّب من نفسي مفتياً شرعياً، فهذا الأمر له أهله، لكنّ ذلك لا يمنع من أن تطلع علينا إحدى الكريمات يوماً لتوجّه لنا سؤالاً تُحرجنا به إذا قالت: ماذا لو قام والدُ أيِّ عريسٍ بإسقاط اسم ولده من بطاقة الدعوة، واكتفى بكلمة «ابنه «هل سيقبل العريس ذلك؟ أم سَيُطلقها ثورةً مضريٌةً يهدمُ فيها أعالي الأمورِ على أسافلِها، وثمةَ سؤالٌ أهمُّ من ذلك تبحثُ فيه المدعوةُ (كريمته) عمَّن يفتيها فيه، وتتساءلُ ونتساءلُ معها: هل إسم الأنثى عورةٌ حتى يستحي الوالدُ من إظهاره على بطاقة الدعوةِ ، أم أنّ قيامنا بذبح القطعانِ في أعراسِ أبنائنا لنؤكدَ ذاتنا هي العورةُ بعينها؟.
وإذا خرج علينا من يُجيبنا غاضباً: نعم إن اسم المرأة عورة أعجبكم ذلك أم لم يعجبكم ، نقول له هل نسيت أنّ ربّ العزِّة خاطب ستَّنا مريم باسمها الصريح بقوله جلّت قدرته : يا مريمُ إنّ اللّه اصِطفاك وطهركِ واصطفاكِ على نساء العالمين « ،. ولو كان الأمُ غيرَ ذلك لما سمعنا أيضاً باسم السيّدة خديجة والسيدّة عائشة ، والسيدّة حفصة، إلى آخر أسماء أمهات المؤمنين الطاهرات ، ولا بأسماء المجاهدات المسلمات مثل خوله بنت الأزور وأروى بنت الحارث على سبيل المثال، ونتساءلُ أخيراً إذا كانت أسماء كريماتنا عورةً لماذا لا نُبادر من الغد لنجعل لكلِّ واحدةٍ منهن اسماً حركياً نُخفي في طياته الاسم الحقيقي فيُسهّل ذلك علينا إرسالهن إلى المدارس، وإلى الوظائف، وصالات الزفاف، حرصاً منا على ستر عوراتنا!! وإذا كان اسمُ المرأةِ عورةً فلماذا لا نبادرُ إلى إطفاءِ أسمائهن من إعلانات النعي الصادرة في الصحف اليوميةِ ، وإذا كان اسمُ المرأةِ عورةً فهذا يُعني أن تقوم كلُّ سيدةٍ تُرشح نفسها للانتخابات القادمة ِ باستبدال اسمها الصريح بعبارة انتخبوا كريمة فلان الفلاني، تفعلُ ذلك حتى لو كنا نعبر العقدَ الثاني من القرن الحادي والعشرين!!!.
لقد حققت المرأة الأردنية مكاسبَ تحسدها عليها مثيلاتُها العربياتُ، وبخاصةٍ في مجالاتِ التمكين الاقتصادي ، والحرية الشخصية، والسياسية، ومجالات أخرى كثيرة . لكنّ ما أتحدثُ عنه وإن بدا كبوةً صغيرةً، فهو أمرٌ يُخبّثُ الخاطرَ ويبعثُ في النفسِ الغُبنَ والانكفاءَ إلى الداخل، وما يُحزننا اليوم أنّ أياًّ من بناتنا لم تبادر مرةً واحدة بالتحفظِ على إطفاءِ اسمها في يومِ زفافها التزاماً منها باحترام الوالدين وطاعتهما ، ومع ذلك لا ينبغي لنا التهربُ من مسؤوليتنا ، فالمسألةُ متعلقةٌ بنا جميعاً وقد آن الأوان أن نتوقفَ عن» وأدِ» أسماء بناتنا ، وأن نظلَّ أوفياء لما نردده دوماً بأنَّ الأسماءَ تنزلُ من السماءِ ، فنبادر إلى إعادة هذه الأسماء لتتصدّرَ المكانَ الذي تستحقُّ في قلبِ بطاقاتِ الدعواتِ.
عن الراي.