السياسة في معناها التطبيقي , ادارة الصراع بأدوات سلمية , والسياسي هو من يعتمد الاساليب السلمية للوصول الى اهدافه وتطبيق وجهة نظره من خلال إقناع الرأي العام بها , فيصل عبر الادوات السلمية « صناديق الاقتراع » الى السلطة , ويبدأ بتنفيذ برامجه , وتتناقض السياسة مع الانقلابات او الاقصاء , وإخراج الاخرين من دائرة الفعل العام .
منذ سنوات اليمين الامريكي وما القته هذه السنوات على العملية السياسية الكونية ونحن من ضمنها , سادت نظرية « معي او ضدي « وبدأت تجد انصارا وناشطين , يديرون الصراع بمنطق العداوة والتحريض على الاخر حد احتلاله او الغائه من الحياة السياسية , فبرزت عمليات التزوير الفاضحة في دول تأثرت باليمين المحافظ ووقعت دول اخرى تحت الاحتلال المباشر بدعم من انصار الرأي الاحادي , من ابناء الدولة نفسها .
السلوك لم يشمل احزاب الحكم او احزاب السلطة فقط بل وصل الى ادوات المعارضة التي باتت تقابل الرأي الاخر بالتخوين والتكفير تارة ومع الربيع العربي جاءت مصطلحات الفلول والمأجور , وانصار النظام البائد وما يرادفها من مرادفات عجيبة , تحمل نفس المضمون , وافرزت تلك التوصيفات حالة شرود ذهني عند كثيرين اختاروا النأي بالنفس عن الصراع خشية الاتهامية , وهناك من أذعن برعب لمنطق الاتهامية , وبقي يستهدفها بصمت وبنمط العمل السرّي السابق , وقلة اختارت ان تواجه المشهد وتتصدى له بصرف النظر عن الكلفة , مراهنة على المستقبل ليكشف زيف موقفها او صوابيته , وزيف وهشاشة موقف المتفردين .
ثمة من يقف اليوم في الساحة المحلية ليعلن امتلاكه الحقيقة بشقيها الشرعي والسياسي , ويمنح صكوك غفران او وصفات اتهام , يمسك على تلابيب اعلامه ولا يفتحه لغير رأيه او صدى رأيه , ويرّوع الاعلام لانه ينتقد مواقفه او ينشر اخبار لا يحب هو ان تصل الى الرأي العام , فهو المعصوم عن الخطأ والممنوع من النقد لغة وشرعا , ومن يقوم بالنقد او بالنشر يستحق المقاطعة والهجوم بكل المصطلحات التحريضية .
تعوّد الاعلام على نفي السلطة , وتعود الاعلام على التضييق الرسمي , وأعد اسلحته لمواجهة هذا النفي والتضييق , وامتلك مهارات خاصة في النفاذ الى المعلومة وتوصيلها الى الرأي العام , لكنه لم يلتفت الى ان المعارضة او ما تسمي نفسها ذلك , اكثر قسوة وشراسة من السلطة , واكثر ضيق صدر منها , فقد تعودت ادوات الدولة على النقد نسبيا وجاء الربيع العربي ليكف يدها عن ممارسة اي تدخل او تضييق , في حين انفلتت اياد ي المعارضة لتبطش بالاعلام وتمنحه براءات او ادانات , وجرى توقيف فضائيات رسمية ومستقلة دون ان نسمع ادنى ادانة للتوقيف , لان القرار صدر من مسؤولين معصومين بشرعية الثورة وشرعية المعارضة السابقة , فلا بأس من قمع وحجب اي رأي اخر .
ثمة استبدال قمع بقمع اخر ليس بالضرورة اقل ضررا , فالقمع هو القمع سواء كان ملتحيا او سافرا , وثمة نفي متجدد , وثمة ضيق صدر , لا يمتلك خبرة النفي الرسمي وادواته المتجددة , فلجأ الى الارهاب الفعلي والترهيب العملي لكل مخالف او منتقد , وأخشى ان يصل الحال بكثيرين الى الدعاء حسب المثل الشعبي « رحم الله زوجة ابي السابقة , فقد كانت تضربني وتمنحني رغيفا , اما الزوجة الجديدة فتضربني فقط « .
omarkallab@yahoo.com
الدستور