facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




صلاح الأرض بصلاح اهلها .. د. محمد نوح القضاة


19-10-2012 04:13 AM

اختار الله عز وجل لعمارة هذه الأرض آدم وأبناءه، فقال لملائكته: (إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) البقرة/30، أي خلقاً يأتي بعضهم بعد بعض، ويخلف كل جيل منهم من سبقه، وبعد ذلك إلى الله المصير، فيجزي كل نفس بما كسبت، ومهد هذه الأرض وجعلها صالحة لحياة البشر عليها، تشرق عليها الشمس وتغيب لحكمة عظيمة، ويتعاقب عليها الليل والنهار؛ لأن استمرار أي منهما مهلك للحياة، وفجر فيها الأنهار تتدفق بماء عذب لا يعيش الإنسان إلا به، وخزن في باطنها الماء والثروات ليستغلها الإنسان بفضلٍ من الله ورحمة، وجعل فيها الهواء الذي لا يستغني عنه مخلوق، وجعل فيه من العناصر ما هو ضروري لحياة الأحياء، وخلق من الحيوانات أنعاماً يأكلها الإنسان، وتخدمه، وتحمل أثقاله، وجعل فيها الطير فحفز الإنسان على التفكير في طريقة سريعة للمواصلات، وقد فعل، وخلق في بحارها الأسماك غذاء، وحافزاً على الإبحار، وقد أبحر الإنسان منذ القديم.

وما أوجز وأوضح وأدق قول الله عز وجل: (وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ) الذاريات/48، فكما يمهد الإنسان للطفل فراشاً يناسب ضعفه ويحفظ عليه صحته، ويساعده على النمو، ويقيه غوائل البيئة، كذلك -ولله المثل الأعلى- مهد الله الأرض للإنسان ليعيش عليها عيشة تساعده على أداء واجبه الأول، وهو عبادة الله تعالى. قال عز وجل: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) الذاريات/56. وأمر الناس أن يحافظوا على الأرض كما خلقها الله بيئة صالحة للحياة، فقال سبحانه: (وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمة اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) الأعراف/56.

ولا شك أن أثمن من على الأرض الإنسان، وكذلك الهواء والماء والنبات والحيوان والتراب، ولذا وجدنا في كتاب الله تعالى الحث على المحافظة على هذه الكنوز؛ لقد حرم الله دم الإنسان وصان حياته، ولن تدوم له حياة إلا بهواء نقي، وماء نقي، ونبات يتغذى به، وحيوان يوفر له الغذاء والكساء والراحة في الحل والترحال، وتربة يستنبت فيها ما يحتاج إليه من غذاء ودواء، ويمشي عليها سهلة تحفظ معالم الطرق كيلا يضل، وامتثل أمر الله تعالى من اهتدى بهديه وعمل بشرائعه، ففاضت خيرات الأرض ونَعِمَ بها الناس، ولك أن تتأمل قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الإيمان بضع وسبعون شعبة: فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق) رواه مسلم. لترى بعد ذلك مدى اهتمام الإسلام بنظافة البيئة، فتظل الأرض صالحة لحياة البشر عليها، يعبدون الله، ويصلون الأرحام، ويتراحمون فيما بينهم.

وإذا لاحظنا أن الإسلام أمر بنظافة البدن والثوب والمكان، وجعل الطهارة شرطاً لصحة العبادة؛ عرفنا أن الإسلام دين النظافة الشخصية والعامة، لقد حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من تلويث البيئة فقال: (اتقوا الملاعن الثلاث: البراز في الموارد، وقارعة الطريق، والظل) رواه أبوداود، وما ذلك إلا لأن الناس يلعنون من يلوث بيئتهم، أما من لم يستجب لأمر الله، ولم يقبل هدي الأنبياء فقد فسد وأفسد، وفعل ما خافته الملائكة عندما قالوا: (أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ) البقرة/30، وكان يريد بذلك محاربة الله، ومحاربة عباده وإيذاءهم، فكان الكافر والفاجر كما قال الله عنه: (وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ) البقرة/205، إنهم يفسدون سراً إذا تولوا عن الناس، ويفسدون علانية إذا تولوا أمر الناس، هكذا فعل فرعون، وهكذا فعل النمرود، وهكذا فعل المنافقون؛ يفسدون في الأرض ولا يصلحون، لكنهم لن يفلتوا من غضب الله وعقوبته (وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ) البقرة/206.

وكما كان للصالحين آثاراً طيبة في الأرض تشهد لهم بالخير، فقد كان للمفسدين آثاراً سلبية سيئة في البر والبحر، قال الله تعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) الروم/41. وكم حدثنا القرآن الكريم عن أقوام وأشخاص أفسدوا في الأرض بأنواع من الفساد، فأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر..

وقد اقتضت حكمة الله أن يبقي الصراع بين الخير والشر على هذه الأرض إلى أن تقوم الساعة ليظهر الصالح على حقيقته صالحاً مصلحاً، ويظهر الفاسد على حقيقته ضالاً مضلاً، بلاء على نفسه وعلى الناس من حوله، وإذا كان حسم الصراع ليس بأيدينا ولا بد للمعركة من أن تستمر؛ فإن الواجب يقتضي أن نكون مع الصالحين المصلحين في الأرض، فإن الله وعدهم بخير الدنيا والآخرة، فقال تعالى: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) الأنبياء/107، وسواء كان المقصود بالأرض أرض الجنة أو أرض الدنيا؛ فإنه وعد حسن لمن عمل صالحاً، وعاش صالحاً مصلحاً، وقال عز وجل: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ) الأعراف/96، وقال عز من قائل: (وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا) الجن/16، وقال تعالى: (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ) الأعراف/58.

ونحن نتعامل مع الله بالطاعة والثقة والعبودية التي لا يذل صاحبها إلا لله، فيعزه الله ويحفظه، ولا يتعامل معه عز وجل بمنطق الربح والخسارة الدنيوية؛ (فإن الله يعطي الدنيا لمن يحب ولمن لا يحب، ولا يعطي الآخرة إلا لمن يحب)، وحسبنا أن نطيع الله تعالى فلا نبطر إذا أنعم علينا، ولا نفسد في الأرض بإزهاق الأنفس، وترويع الآمنين بأمان الله، ولا نقطع شجرة لغير حاجة صحيحة، ولا نقتل حيواناً إلا وفقاً لشريعة أرحم الراحمين.
وبهذا يظل مجتمعنا المسلم مجتمع خير وبركة وعطاء، وهكذا نرجو أن تظل المجتمعات الإسلامية خيرة مباركة. (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) البقرة/201.

reports@alarabalyawm.net


العرب اليوم





  • 1 عمر أبو زيتون 20-10-2012 | 02:17 AM

    كلامك درر شيخ محمد .. الله يكثر من أمثالك ورحم الله والدك وأموات المسلمين .. آمين .


تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :