ما معنى الرَّقم 2.3 مليون (أو كيف يمكننا فهمه؟)؟
لقد أُقْفِل باب "التسجيل" على هذا الرَّقم؛ فإنَّ نحو 2.3 مليون مواطِن مِمَّن يحقُّ لهم الاقتراع (أيْ نحو ثلاثة أرباع مَنْ يحقُّ لهم الاقتراع) قد أُدْرِجَت أسماؤهم في قوائم الناخبين، وحصلوا على البطاقات الانتخابية؛ وبقي أنْ نعرف كم من هؤلاء سيُدْلي بصوته في الانتخابات النيابية المقبلة، وكم من هؤلاء الناخبين الفعليين "فاز" في هذه الانتخابات، أيْ تسبَّب صوته في فوز مرشَّح نيابي، فَرْداً كان أم حزباً.
حتى الآن، أيْ مع إقفال باب "التسجيل" على هذا الرَّقم، يمكننا الزَّعم أنَّ نحو 2.3 ناخب مسجَّل عَبَّروا، ضِمْناً، وشكلاً على الأقل، عن موافقتهم على هذا القانون (والنظام) الانتخابي، وعن تأييدهم، ضِمْناً، وشكلاً على الأقل، للدَّاعين (وللدعوة) إلى المشارَكة في الانتخابات، وعدم مقاطعتها، وفي مقدَّمهم "الدولة" نفسها.
ومن تجربة شخصية، ربَّما لا تَصْلُح لتعميم استنتاجاتها، أقول إنَّني لم أتعرَّض إلى أيِّ ضغط، ولا إلى أيِّ إغراء، لِحَمْلي على "المشارَكة"، و"عدم المقاطعة".
ومع طَرْح عدد الذين لم يُدْلوا بأصواتهم من عدد المُصوِّتين، نعرف العدد الحقيقي لـ "الثابتين" على موقفهم من "الناخبين المُسجَّلين"؛ وإنْ كان هذا لا يكفي لمعرفة هل "ثَبَتَ" هؤلاء "الثابتون" عن "اقتناع (ديمقراطي)" أم عن دوافع يتضاءل فيها وزن القِيَم والمبادئ الديمقراطية؛ فليس بأمرٍ ذي أهمية ديمقراطية أنْ تَذْهَب إلى صندوق الاقتراع، وأنْ تُدْلي بصوتكَ، إذا ما كانت التضحية بكثيرٍ من قِيَم ومبادئ الديمقراطية، في بُعْدِها الانتخابي، هي ما أنْتَج، أو ساهم في إنتاج، دافعكَ الانتخابي.
وإنَّ قسماً كبيراً من "الثابتين" على قرارهم "المشارَكة"، ينتمي إلى "إصلاحيين"، وإلى "حراكيين إصلاحيين"، أشْهروا إيمانهم بـ "إصلاحٍ" يأتي من "البرلمان" فحسب، ومن (على وجه الخصوص) المجلس النيابي الذي سيأتي من الانتخابات النيابية المقبلة، التي ستُجْرى وُفْق القانون (والنظام) الانتخابي المعمول به الآن؛ فلا "إصلاح"، بمعتقدهم، إلاَّ "الإصلاح البرلماني"، أيْ المتأتِّي من "البرلمان"؛ أمَّا "الشارع (وضغوطه، والحراك الشعبي)" فيَصْلُح "مُسَرِّعاً" لـ "عربة الإصلاح" التي لا تتوقَّف عن سَيْرها مهما تباطأ.
في "التسجيل"، وفي هذه النِّسْبَة لـ "الناخبين المسجَّلين"، رَأيْنا ما يشبه "الاستفتاء الشعبي"، الذي يسبق "الانتخابات النيابية" نفسها؛ فإنَّ "غالبية شعبية" تؤيِّد، ضِمْناً، أو شكلاً على الأقل، هذا القانون (والنظام) الانتخابي، وتَقِفُ، ضِمْناً، أو شكلاً على الأقل، مع "الدولة"، ومع (على وجه العموم) الدَّاعين إلى "المشارَكة"، و"عدم المقاطعة"، ومع كل القائلين بـ "البرلمان" طريقاً (وطريقاً وحيدة من حيث المبدأ والأساس) إلى "الإصلاح".
وعمَّا قريب، نرى "الانتخابات" و"نتائجها"؛ وسنرى، من ثمَّ، هذه "النتائج" وهي تتحوَّل إلى "أسباب" للدَّفْع في اتِّجاه "إصلاح"، يُخْرِجه "البرلمان" إلى الشعب، إنْ عاجلاً أو آجلاً؛ فإذا خَرَج هذا "الإصلاح (البرلماني)" إلى حيِّز الوجود جئنا به، ووضَعْناه في "ميزان الديمقراطية (الذهبي الموضوعي)"، لِنَعْرِف، عندئذٍ، وعلى وجه الدِّقة، "وزنه الديمقراطي الحقيقي"، في "حقل الجاذبية الأرضي"، والذي هو كناية عن "الديمقراطية بقيمها ومبادئها العالمية".
إذا أتانا هذا "الإصلاح الموعود" بما يسمح بإدراجنا في قائمة المجتمعات والدول الديمقراطية، والتي تنمو في "بساتينها" قِيَم ومبادئ الديمقراطية، ويرتفع فيها منسوب "الدولة المدنية"، فلا بدَّ، عندئذٍ، من أنْ نُقِرَّ ونَعْتَرِف بأنَّ زمن المعجزات لم ينقضِ بَعْد؛ وإلاَّ كيف يمكننا أنْ نُفسِّر إتيان كل هذا "الخير الديمقراطي (الافتراضي حتى الآن)" من هذا القانون (والنظام) الانتخابي، الذي لو أخَذَت به، واعتمدته، دولة ديمقراطية كمثل السويد (على استحالة ذلك) لأصبحت الديمقراطية فيها كظِلٍّ لا جِسْم له؟!.
إنَّ خير فَهْمٍ لهذا القانون (والنظام) الانتخابي، ولجهة "صلته المنطقية" بـ "الإصلاح" الذي سنراه بعد الانتخابات، وإذا ما رأيْناه، هو الذي نتوصَّل إليه بهدي من نظرية "البعرة تدلُّ على البعير، والأثر يدلُّ على المسير"؛ فعلى مثال هذا القانون (أو النظام) سيُخْلَق "برلمان"، على مثاله سيُخْلَق "إصلاح"؛ وإلاَّ قضى "قانون السببية" نحبه ! .
jawad.bashiti@alarabalyawm.net
العرب اليوم