للأردن تجربة فريدة في مجال تخاصية بعض المرافق العامة والمؤسسات التي كانت تملكها الحكومة أو تملك حصصا جوهرية فيها.
وقد بدأت تلك التجربة بمسار طويل منذ نهاية عقد الثمانينيات من القرن المنصرم وتمخض عنها بيع حصة الحكومة أو جزء مهم منها في الاتصالات والكهرباء والبوتاس والفوسفات والأسمنت وبعض مرافق الطيران ومن ثم الخطوط الجوية.
وهو مسار نتج عنه من الإيجابيات ومن السلبيات ما فتح بابا واسعا للسجال حول تلك التجربة بما لها وما عليها.
وقد وجه كتاب التكليف السامي الحكومة الحالية، وكذلك الحكومة السابقة، إلى أخذ زمام المبادرة في إجراء تقويم موضوعي يضع الحقائق أمام العامة حول تلك التجربة وحيثياتها المختلفة. ورغم أن الحكومة السابقة لم تستطع، لضيق الوقت أو لتزاحم الأولويات، من القيام بذلك، إلا أن الفرصة متاحة أمام الحكومة الحالية وخلال الشهور المتبقية من هذا العام للقيام بهذا الجهد الوطني المطلوب، استجابة للتوجيه الملكي من ناحية ونظرا لأهمية إغلاق هذا الملف بما له وما عليه وبشكل موضوعي شفاف من ناحية أخرى.
ولعل البديل الأنسب اليوم التوجه نحو جهة مستقلة ذات مصداقية تمثل أطياف الشأن الاقتصادي من أصحاب عمل وعمال ومؤسسات مدنية وحكومة لكي تأخذ على عاتقها مثل هذه المهمة الوطنية بعيدا عن أي تأثيرات خارجية.
وأشير بشكل محدد إلى إمكانية قيام رئيس الحكومة بتكليف المجلس الاقتصادي الاجتماعي، الذي يتميز عن غيره من المؤسسات بتشكيلته ولجانه التي تحتوي على أطياف الكيان الاقتصادي الأردني بفروعه كافة، بالإسراع بتشكيل لجنة من المختصين للقيام بهذا الدور المحوري. فمرجعية المجلس هي استقلاليته التي يتمتع بها من خلال التمثيل الشامل لقطاعات وأطراف الإنتاج في البلاد كافة وهو ملزم بأن يعمل كمخزن أفكار ومنتج للدراسات وموجه للبوصلة وفق مصالح الأطراف الأربعة من دون محاباة طرف على الآخر.
ويمكن للمجلس تكليف خبراء للقيام بتلك المهمة على أن يأخذ بعين الاعتبار قضايا ثلاثا.
الأولى تكليف لجنة مختصة من داخله تشمل الأطراف الأربعة، حكومة وأصحاب عمل وعمالا ومؤسسات مجتمع مدني، بوضع الإطار المرجعي للدراسة.
والثانية تشكيل لجنة خبراء محايدة من الأردن لإجراء الدراسة التحققية وفق الأطر المرجعية المشار إليها مع التأكيد على ضرورة مراجعة الدراسات السابقة، خاصة أن هيئة التخاصية كانت قد كلفت جهة خارجية من قبل بإجراء دراسة حول تجربة التخاصية في الأردن وهي بمثابة مرجع يمكن الاعتماد عليه.
والقضية الثالثة أن تعرض الدراسة على أعضاء المجلس بما يمثلونه من مرجعيات أربع لإقرارها أو الطلب بإيضاحات أخرى بغية اكتمالها، وبعد ذلك تُرسل للحكومة للإعلان عن نتائجها بمؤتمر صحافي شامل يعقده المجلس الاقتصادي الاجتماعي كطرف محايد.
لعلنا في النهاية نصل إلى حقيقة الأمور التي لا بد من الإشارة إلى أن بعضها إيجابي نفخر به وبعضها الآخر سلبي نستقي منه دروسا للمستقبل أو نقومه بالوسائل القانونية الدستورية المعروفة.
وفي النهاية فلعلنا نضع هذا الملف جانبا لنلتفت بعدها إلى مسيرة الاقتصاد الوطني وسبل تحريك عجلته. فالبكاء على الماضي لا يُغني ولا يسمن من جوع ، والحكمة بأثر رجعي لا فائدة منها ولعل المطلوب استشراف آفاق المستقبل هو ما نحن في أمس الحاجة إليه اليوم.
kwazani@orange.jo
العرب اليوم.