ليس مباغتا الخلاف داخل البيت الاسلامي , فقد عبرت التباينات بالتصريحات التي وصلت حد التناقض الى هذا الامر مبكرا , منذ انتخابات مجلس الشورى وباقي المواقع القيادية , والخلافات داخل البيت الحزبي ليس امرا معيبا او شيئا غريبا وغير مألوف , لأن الحياة الحزبية متحركة والتباينات ظاهرة بشرية .
غير المألوف والمرفوض , هو الية حسم الخلافات داخل البيت الحزبي , خاصة استخدام المال السياسي كما يقول الزميل رياض منصور في تقريره المنشور في الدستور امس , والمبني على شكوى مقدمة من الدكتور عبد اللطيف عربيات احد اكثر الوجوه الاسلامية اعتدالا ونزاهة , وسبق في هذا الموقع ان ناشدناه مع زميله اسحق الفرحان اعادة الحركة الى رشادها المعروف .
فما جرى ويجري داخل بيت الجماعة الاخوانية منذ اعوام وتحديدا مع احكام تيار الصقور على مقاليد الحكم الحزبي , ليس مألوفا من الحركة وعن رشادها التاريخي الذي حمى البلد اكثر من مرة , فالعلاقة مع الدولة كانت مرسومة بخطوط طولية وعرضية وفق تفاهمات سياسية تستوعب حدود التلاقي والخلاف , ومتفهمة لضرورات الحزب والجماعة التي بدورها كانت تدرك مدى حاجة الدولة للحركة وفق استحقاقات الظرف المحلي وايقاع الاقليم المتصاعد يوما بعد يوم .
تيار الصقور وهو بمعظمه من الجيل الجديد في الجماعة والسياسة واغلب تجاربه اما في العمل النقابي المهني او العمل الاداري في مكاتب قيادات الحركة , لم ينضج كثيرا في المعترك السياسي ولم يتعلم دروس العلاقة مع الدولة ومدى الازاحة والتلاقي , فهو جاء مسكونا بتجارب سريعة تفتقد الى العمق السياسي , ولذا مارس نفس سلوك العمل النقابي على العمل الحزبي والسياسي , فظاهرة التسديد عن المريدين والاصوات المتأرجحة ظاهرة نادوية ونقابية بإمتياز , ويستخدمها المرشحون الحزبيون دون استثناء , حتى لا نظلم الجماعة وحزبها .
فمن عَمل في العمل النقابي والنادوي يعرف هذا السلوك جيدا ويعرف ان التسديد عن المتخلفين سلوك متبّع , اما ان ينتقل هذا السلوك الى العمل الحزبي لحسم خلافات سياسية ووجهات نظر تنظيمية فهو غير المالوف خاصة من حزب يُدين ليل نهار المال السياسي او ما احب تسميته بالمال السحت والمال الحرام .
إدخال حزب تاريخي وحركة متجذّرة في المجتمع الاردني هذا الباب المدان في السياسة , يستوجب ليس الحسم فقط بل والعقوبة الاشد حسب لائحة العقوبات التنظيمية , لان اي ثري في الحركة قادر لاحقا على حسم الصراع السياسي والحزبي من بوابة المال السياسي , ويصبح الحزبي الجيد والمثقف السياسي المتميز اجيرا سياسيا عند صاحب المال السياسي وتتحول العلاقة من علاقة رفاقية وأخوية الى علاقة تبعية اقتصادية .
ليس من مصلحة احد ان يتعمق الخلاف داخل البيت الاخواني حتى خصوم الجماعة السياسيين , وليس من مصلحة الحالة الحزبية الاردنية التي ننتظر ان تتجذر وتتماسك ان تتحول الى بيوتات مالية او باحثة عن رئاسة فخرية داعمة ماليا كما الحال في الاندية وفي النقابات , فالاحزاب بيوت خبرة سياسية , وسبق للاحزاب ان عانت من ظاهرة الفرد المالك للحزب بحكم ملاءته المالية وليس عمقه الفكري .
نتمنى ان يقوم الحزب ومن خلفه الجماعة بخطوة جريئة في كشف الشكوى والاجراءات التي تليها وكشف المتورطين في المال السياسي والعقوبات بحقّهم فالحزب اطار سياسي عام يخضع الى حق الجمهور بالمعرفة , فالحزب الاكبر يجب ان يكون قدوة سياسية ولا يجوز ان يلجأ الى الغموض والتورية السياسية , فما حصل يجب ان يكون تجربة للجميع حتى تعرف الاحزاب خطورة المال السياسي وخطورة التغيير في الحزب او الترقي في البنى الحزبية بغير ادوات سياسية .
الاختلاف داخل الحزب سلوك حيوي وطبيعي وليس شتيمة او سُبّة في الحياة الحزبية , شريطة الكشف وعدم المواربة والسماح للاقلية بالدفاع عن وجهة نظرها في اطار الالتزام الحزبي بالقرار الجمعي .
omarkallab@yahoo.com
الدستور