المعارضة الموالية في الدوار الرابع
نصوح المجالي
15-10-2012 04:18 PM
عمون - مهام الحكومة الجديدة واضحة ومحددة في كتاب التكليف الملكي الذي حدد القضايا الملحّة, وتطلعات الدولة في المرحلة المقبلة, وأي حكومة مهما كانت مدتها الزمنية لا بد أن تتعامل مع تحديات اللحظة الراهنة وما فيها من تراكمات المرحلة السابقة والتطلعات المستقبلية.
بعض الملفات التي انيطت بالحكومة ملحّة ولا بد من انجازها بالكامل, واكثرها إلحاحاً مساندة اجراء انتخابات نزيهة وصولاً الى برلمان جديد يشكل نقلة نوعية نحو آليات جديدة في تشكيل الحكومات والحكم ودور الحكومة في تهيئة الاجواء وتوسيع دائرة الحوار والتواصل والمشاركة لتحقيق هذه الغاية وكذلك اعداد موازنة متوسطة، واجراء تقييم لآثار السياسات الاقتصادية في الحقبة الماضية.
فهذه الحكومة حلقة من رؤية استراتيجية لمرحلة متصلة بما قبلها ومجسرة لما بعدها, فالحلول والمعالجات في هذه المرحلة تراكمية الاثر, الا أن الخطوة الصحيحة قد تصبح أساساً متيناً يُبنى عليه فيما بعد.
والمهم في أي حكومة مهما كانت مدتها وضوح الرؤية السياسية واهداف المرحلة واسلوبها الخاص في العمل.
اما بقية المهام كالوضع الاقتصادي والمالي وتنمية المحافظات وبرنامج الاصلاح الاقتصادي وتنويع مصادر الطاقة والمديونية وتحفيز الانتاج ورفع مستوى المعيشة فهذه تستوجب خطوات جادة من الحكومة تحد من تراجع الاقتصاد الاردني دون أن تزيد من تراجع المجتمع, وهي ملفات عابرة للحكومات لكن الخطوة الصحيحة فيها تساهم في توجيه المسار بالاتجاه السليم.
غير أن اختيار رئيس وزراء مارس المعارضة في البرلمان الذي حُلَّ وعارض بشراسة جميع الحكومات التي واكبت البرلمان الاخير كما عارض العديد من طروحات وسياسات المرحلة الاقتصادية والسياسية كان مفاجأة بحد ذاته.
فالدكتور النسور ليس معارضاً بالاساس, ومن رجالات النظام وكان دائم الاحترام والتوقير للنظام الهاشمي, لكنه مثل كثيرين في النخب السياسية الاردنية الموالية للنظام الهاشمي التي همشت وابعدت عن مركز القرار السياسي, في حقبة الليبراليين الجدد تأثر بما يجري في الدولة من تجاوزات, فاتجه للمعارضة الموالية ليعبر عن قلق طيف واسع وعريض من الاردنيين من اصحاب الخبرة السياسية ومن المواطنين والمهتمين بالشأن العام وجلّهم من الموالين للنظام الاردني الذين استفزتهم اشكال الوهن والخلل والتجاوز والفساد التي لحقت بالدولة الاردنية.
والدكتور عبدالله النسور كان سياسي لم يستند الى حزب او تيار سياسي, وقد مثل معارضة من داخل الموالاة تملك الخبرة السياسية والجرأة الادبية والحجة والقدرة على المناورة والاستقلال في الرأي مع الحرص على الثوابت الوطنية ومعارضة الخلل في السياسات وفساد الاولويات دفاعاً عن النظام السياسي والبلاد.
ولا يخفى ان هذا الطيف الاردني الموالي المعارض لمظاهر الخلل في الدولة غير المنظم آخذ في الاتساع والتعبير عن نفسه بشتى الطرق وقد يتحول الى نهج سياسي مؤثر له أدواته وله من يمثلونه في الحياة العامة والسياسية.
إلا أن الدكتور النسور لم يغترب في تيار سياسي آخر يستخدمه كرافعة سياسية له في مواجهة النظام السياسي الاردني, ولم يشتط كما فعل نفر من المعارضين الجدد ولم يخرج عن المالوف, فلم يكن هدفه مقارعة النظام بل مقارعة الاخطاء والتجاوزات في السياسات وبقي قريباً من مختلف الاطياف السياسية يتعامل معها باحترام وإن اختلف معها, فمعارضته شملت بعدي الطموح السياسي ومقارعة الخلل في السياسات.
نتمنى أن يترسخ في ثقافتنا السياسية نهج لا تكون فيه المعارضة انفصام واغتراب كامل عن النظام السياسي مهما كانت درجة الاختلاف في الرأي, وان لا تبقى الموالاة تبعية عمياء, وأن تـُبنى المعارضة السياسية ليس على الرفض والشجب والمقاطعة ولكن على الرأي الآخر الناقد والمعارض الذي يراعي الجوانب التي لم تؤخذ بعين الاعتبار في أي قرار.
ندرك أن دولتنا وهذه الحكومة بحاجة ماسة الى الدعم المالي الا أن المجتمع الاردني ايضاً وقطاع واسع من المواطنين ممن ضاق عليهم الحال يحتاجون ايضاً الى الدعم والتفهم من الحكومة, فالمهمة الصعبة التي ستواجه الحكومة تقتضي أن ترشد الحكومة موازنتها وانفاقها واداءها المالي وأن تكون في الوقت ذاته عوناً لمجتمعها حتى يكون مجتمعها عوناً لها.
"الرأي"