أُشبع الأردنيون كلاماً، ومظاهرات واعتصامات، مثلما أُشبع وزارات تتشكل وتستقيل.
الأردن في حالة اشباع لهذا النمط من ربيع لا يزهر، ولا يورق، وصار على الجميع أن يدخل مرحلة الجد.
فبلدنا لا يحتمل ترف العبثية، وجلده أرق من أن يكون حقل تجارب. وموقعنا القومي المحاط بالعنف والكره والتقاتل يفرض على بلدنا أن يكون عمود البيت، وركيزة الاستقرار، وموقع الحشد والرباط. فقضيتنا المصيرية ومقتلنا، في فلسطين تتدهور بشكل ملحوظ ويكفي أن يمرَّ الخبر الأخير القادم من تل أبيب بإعطاء أربعين ألف عامل فلسطيني أذونات عمل في إسرائيل.. لان الأوضاع الاقتصادية في الضفة المحتلة تزداد سوءاً، بحيث بدأت التظاهرات في رام الله.. ولا بد ان تنتهي متفجرة داخل إسرائيل!!.
لم نعد نحتمل كل هذه «الغثبرة» التي اطلقت أنواعاً من الفوضى في الشارع المكتظ بالسيارات وببلطجة السواقة، وفي الاقتصاد فوضى المطالبات، ورفض الناس لرفع الاسعار مع انهم يأكلون من فضلة خبز، ولحم، وأعلاف الأمم.. وننسى أننا نأكل «السلطة» من انتاج نحسبه أردنياً، في حين انه يتكون من بذور مستوردة، ومخصبات مستوردة، وعبوات مستوردة وعمالة مستوردة، ومياه تدفع الدولة 90% من كلفتها!!.
ترتفع اسعار الغذاء عندنا لانها ترتفع من مصادرها، .. واذا كان المطلوب من الحكومات ان توزع غذاءنا بالمجان، لاننا فقراء، فعلى الفقراء ان يتوقفوا عن شراء 70 ألف سيارة دخلت البلد العام الفائت، ومن المؤكد انه سيدخل مثلها هذا العام!!.
.. هذه الفوضى هي فوضى عقلية، اولا وآخرا، فقد نسينا اننا نعيش في بلد فقير اسمه الاردن، ونسينا ان آباءنا كانوا رعيانا وحراثين وان زراعتنا التي اعطتنا .. كانت مهنة الكفاية!! ونسينا أننا صرنا لاجئين، وان بلدنا صار مأوى لكل الذين شهدوا الفوضى والعنف والدم في مواطنهم، واختاروا وشرفونا بالحياة معنا واخترنا ان نقتسم معهم ماء لا يكفينا، وخبزاً نستورده وندعمه، وكهرباء لا يدفع المواطن ربع كلفتها!!.
وهذه الفوضى هي فوضى اخلاقية اولا واخرا، فالسؤال المطروح على مساحة الاردن: ماذا اخذ من وطني؟!، في حين ان السؤال يجب ان يكون ماذا اعطي لوطني؟!. فالعلاقة بالوطن ليست العلاقة بالبقرة الحلوب.اما تبرير العقوق الوطني بالفساد والفاسدين فذلك لا يغير من الصورة، فالفاسد هو من يبتز بلده!!. ترى ما الفرق بين السرقة والتشليح؟!.
يقال إن الجبهة الوطنية للإصلاح اجلت اقامة الفعاليات لما بعد عطلة العيد.. وهذا يذكرنا «بثورة» 1958 اللبنانية، اذ كانت المعارضة تتوقف عن اطلاق النار يوم الاحد – العطلة الاسبوعية – ويخرج الثوار من حاراتهم الى الجبل، ويضرب الجنود سلام تعظيم للرئيس صائب سلام، والرئيس اليافي وكل الجزء الثائر.. ويوم الاثنين تستأنف الثورة اعمالها بعد العودة من عطلة نهاية الاسبوع في الجبل!!.
الراي