منذ زمن بعيد تآكلت ولاية الحكومة الدستورية العامة، وتنازل الرؤساء عن صلاحياتهم تدريجياً؛ إمّا لضعفهم أحياناً أو لطريقة اختيارهم ومنهجية تشكيل الفريق الوزاري من ناحية ثانية، أو لتغول مراكز القوى في الدولة، نتيجة لما يتمتعون به من نفوذ وصلاحيات ولقربهم من صانع القرار، ولطغيان العامل الشخصي، الذي أسهم في توسيع دائرة نفوذهم على حساب سلطة رئيس الحكومة وصلاحياته ـ الجهة الأضعف في إدارة الدولة ـ لأنّ اكتساب أي نفوذ أو صلاحية تنفيذية لأية جهة عليا سوف ينتقص من سلطة الحكومة وصلاحياتها حتماً، لأنّ الدستور ينص على ولاية الحكومة العامة على جميع مجالات الدولة بلا استثناء.
الآن أصبحت الهيئة المستقلة هي الجهة المخولة بالإدارة والإشراف على العملية الانتخابية بشكلٍ كامل، ووصف الهيئة بهذا الوصف يعني تحديداً أنّها مستقلة عن الحكومة وجميع أجهزتها بكل تأكيد، ولذلك يثور هنا تساؤل كبير ما هي وظيفة الحكومة الجديدة الانتقالية بالضبط؟.
في اللقاء الذي تمّ بين الرئيس المكلف من جهة وقادة حزب جبهة العمل الإسلامي من جهة أخرى، تحدث الرئيس عن عرض واضح ومحدد يتلخص بنقطة واحدة فقط هي تمديد التسجيل لهيئة الناخبين؛ لأنّه لا مجال لتغيير القانون وتعديله، فالفرصة قد فاتت، ولا مجال للتراجع عن القرار الإداري بحل المجلس فهذا ضرب من المستحيل اعتماداً على الاستشارات التي قام بها الرئيس المكلف مع بعض الخبراء، كما أخبر الحضور، كما لا يجوز التفكير في اللجوء إلى فرض قانون الطوارئ لأمور ومعطيات كثيرة، كما لا يجوز اعتبار النقطة الثانية من ضمن العرض وهي "نزاهة الانتخابات"، إذ لا يجوز أن تكون نزاهة الانتخابات جزءاً من أيّ عرض؛ لأنّ مجرّد جعل النزاهة عرضاً على القوى السياسية ومحلاً للمساومة أمرٌ معيب وخادش للمروءة في كل الأوقات، وفي كلّ الأزمنة والأمكنة قديماً وحديثاً، ويسيء للدولة أيّما إساءة.
العرض الواضح والمحدد الذي جاء به الرئيس المكلف خارج ولايته الدستورية؛ فهذا الأمر ليس له، ولا يملك أن يجعله عرضاً إلاّ من باب العشم برئيس الهيئة كونه مشتركاً معه بمسقط الرأس، ومن هنا يصبح العرض الرئاسي فارغاً تماماً من مضمونه، ويجب على الحكومة وجميع أجهزتها أن لا تتدخل بالعملية الانتخابية وأن تكف يدها السيادية عن كل مجرياتها، ولذلك سوف تكون مهمة الحكومة موصوفة تحت باب التعاون مع الهيئة المستقلة والعمل على إنجاح مهمّتها من أجل الاقتراب من النزاهة المطلوبة أو شيء منها.
الحكومة أغلقت الأبواب مبكراً أمام القوى السياسية التي أعلنت موقفها الحازم من قانون الانتخاب المدمر للحياة السياسية، ولما له من أثر كبير في إضعاف مجلس النواب بحيث أصبح غير قادر على تمثيل الأردنيين من ناحية سياسية، وغير قادر على القيام بمهامه الدستورية الأصلية من رقابة ومحاسبة للسلطة التنفيذية، وغير قادر على وقف الفساد، ولا حتى محاسبة الفاسدين، وغير قادر على استرجاع أموال الشعب المنهوبة، ومقدراته المبدّدة؛ بل إنّ المجلس الذي كان نتيجة الصوت الواحد المجزوء عمل على إغلاق ملفات الفساد والفاسدين والحيلولة دون كشفهم ومحاسبتهم، وأعطى صك براءة لهؤلاء تجعلهم محصنين من المتابعة، والمجلس القادم لن يختلف عن المجالس السابقة، وسيكون نسخة مكررة في ظلّ الإصرار على هذا القانون المشؤوم.
بقي للحكومة شيء واحد يمكن أن تفلح فيه، في هذه المرحلة الانتقالية، وهو العمل على تنفيذ سياسة الحكومة السابقة التي بقيت بفريقها وتغير رأسها، والمتمثلة برفع الدعم عن بعض السلع الضرورية، والعمل على تقليل العجز في الموازنة بطريقة واحدة معروفة لدى كل الحكومات المتعاقبة بلا استثناء وهي الاتكاء على جيب المواطن المقهور.
فإذا كانت الحكومة الجديدة سائرة في مسارات الحكومة السابقة من حيث قانون الانتخاب، ومن حيث قانون المطبوعات، ومن حيث رفع الدعم ورفع الأسعار وبقاء التعيينات، وبالشخصيات ذاتها، فماذا تبقى للحكومة، وماذا تبقى لرئيسها، وماذا تبقى للمعارضة، وحراك الشارع الأردني، وقوى الإصلاح، والشعب الذي ينتظر بكل قلق واضطراب الخروج من المأزق ومغادرة مربع الأزمة، والانتقال بالأردن نحو الديمقراطية؛ لأنّها ضرورة وخيارٌ متفقٌ عليه.
rohileghrb@yahoo.com
العرب اليوم