الأردن يواجه الآن أخطر تحدٍّ بعد حرب عام 1967
mohammad
13-10-2012 05:48 PM
عمون - للدبلوماسي الإسرائيلي المتقاعد أوديد عيران ترجمة وقراءة: هديل شقير..
طبيعة نشأة الأردن، والمشكلة الدائمة التي تعايشها؛ من استقبال اللاجئين مما يضع الأردن في خطر خارج عن إرادته، محوران نظر الدبلوماسي الإسرائيلي المتقاعد أوديد عيران من خلالهما إلى مستقبل الأردن في ظل الظروف السياسية الراهنة.
كان الكاتب واضحا في المحور الأول حين سلّط الضوء على السيطرة البريطانية المطلقة على ولادة الأردن، كما كان متوازناً في تناوله المحور الثاني، إذ أنّه عندما تحدّث عن التحديات الاقتصادية التي أوجدها ثقل اللجوء المتتابع على الأردن ذكر كذلك المساعدات الممنوحة للأردن لمواجهة هذه التحديات، مؤكدا أنّه في حين لا يملك الأردن تغيير حقيقة كونه وطنا لملايين اللاجئين لكنه يستطيع أن يعالج الأوضاع إذا أديرت ملايين الدولارات الممنوحة له بشكل سليم.
نرى الكاتب وكأنه يبرر تواضع الإصلاحات السياسية التي قدّمها الملك، حين يشير إلى أنّ مدى الإصلاحات البعيد قد يؤثر في مسألة وجود الأردن، ويؤكد أنّ «الملكية المطلقة» في الأردن لطالما كان لها الدور الحامي لاستقرار الأردن.
بموضوعيةٍ في تناوله للانتخابات، يدرك الكاتب «انحراف» نظام «الصوت الواحد» عن محاولة الحفاظ على صوابية المظهر السياسي مسببا عدم تكافؤ في التمثيل النيابي، ثم يعرض تصريحات الملك عبد الله عن موقفه من «حسابات» الإخوان المسلمين، التي يرى الكاتب في ظلّها أنّ تحديد مسار الجو السياسي أصبح بيد الأخوان، ويعود ليبيّن أنّ زيادة عدد المقاعد النيابية ليس إلاّ تعديلا تجميلياً.
رغم إدراكه أنّ قوة الشارع الأردني لم تصل بعد لتضاهي ميدان التحرير المصري، تظهر تساؤلات، تشي بقلق على مستقبل الأردن، تشغل حيزا كبيرا من طرح الكاتب، يوازي هذا القلق آخرٌ على الجانب الإسرائيلي، ومن هنا نراه حيناً يتخذ دور الناصح للملك والحريص على إرث أجداده، وحيناً آخر المؤكد على «إسرائيل» بضرورة تقديم الكثير لمساعدة الأردن.
وفيما النص الكامل للمقال:
خلال المسار التاريخي، بعض الدول نشأت عن فترات طويلة من إطلاق النار، الدماء والتدمير. دول أخرى نتجت عن مسؤولين استعماريين كانوا يتشاورون في غرف مليئة بالدخان، منكبّون على الخرائط يرسمون خطوطا غدة في نهاية المطاف حدودا ودول جديدة. المملكة الأردنية الهاشمية تنتمي للصنف الثاني، كما جارتها سوريا والعراق. بالطبع هناك من سيجادلون بأنّ آلاف عديدة من العرب قاتلوا وماتوا في الحرب العالمية الأولى متّبعين قرار شريف مكة الشريف حسين بالوقوف إلى جانب الإمبراطورية البريطانية ضد العثمانيين، لكن تاريخيين سيستمرون في الجدل فيما إذا كان خلق ثلاث دول مختلفة استحق هذه التضحية. وعلى أيّ حال، لا جدال في أنّ وجود هذه الدول الثلاث يشكّل حاليا تحدٍ ضمن تغيّر يهدد بانهيار النظام السياسي في الشرق الأوسط والذي نشأ عند اشتعال الحرب العظمى والتي بقيت لأجيال.
ميلاد الأردن
في بداية 1921 عُيّن ونستون تشرشل وزيرا استعماريا في الحكومة البريطانية. خلال أيام تولّيه منصبه كان على تشرشل السفر إلى القاهرة لحضور مؤتمر لدبلوماسيي الملك البارزين والعسكريين الذين يخدمون في الشرق الأوسط. خلال وقت قصير بين تعيينه وتوجهه للسفينة نحو القاهرة، أوجد تشرشل قسم الشرق الأوسط، القسم الذي، كما أوضح تشرشل، ليكون الذراع الإداري الذي سيسيّر من خلاله أعمال منطقة بلاد الرافدين وفلسطين. وزير الخارجية اللورد كيرزون صوّر الكيان الجديد، بشكل معقول، كجسد يمكن لتشرشل من خلاله تسيير شؤون الإمبراطورية البريطانية في المنطقة بأكملها. كان القسم الجديد قائما بقدر كبير على خبرة تي.إي لورنس (لورنس العرب) ورسمييْن بريطانييْن آخريْن. قبل الإبحار إلى مصر، سلّم المسؤولون الثلاثة مذكرة لتشرشل أوصوا فيها ب»..إنشاء نظام سياسي في إمارة شرق الأردن مختلف نوعا ما عن ذلك القائم في الجانب الآخر من النهر. إذا كانت ستقام الوعود البريطانية يجب أن يكون هذا النظام بشخصية عربية. نعتقد أنّه من الأفضل أن يرتكز هذا النظام تحت حاكم عربي مقبول لدى حكومة الملك ويتصرّف في المسائل المهمة حسب نصحها.»
متجاهلا للمناشدة المكتوبة لتشرشل من د.حاييم وايزمن قائد الحركة الصهيونية, لمدّ نطاق حدود الولاية البريطانية على فلسطين وصولا لخط سكة حديد الحجاز, قبل تشرشل توصية الرسميين الموثوقين الثلاثة لفصل ضفتي نهر الأردن سياسيا. دون جدوى قام سير هيربرت صامويل, أول مندوب سامي في فلسطين, بالسفر إلى القاهرة في جهد أخير لمنع فصل المنطقتين.
من القاهرة وصولا إلى فلسطين قابل تشرشل هناك الأمير عبد الله ابن الشريف حسين, الذي كان من البداية قد رسّخ نفسه في إمارة شرق الأردن, ضمن سلسلة لقاءات في القدس, اقتنع عبد الله بسهولة أنّ عليه قبول الاقتراح البريطاني. قام فقط بمناشدة بسيطة للحصول على المنطقة المتواجدة في الجانب الآخر من نهر الأردن إلى جانب المنطقة المخصصة له. رفض البريطانيون هذا الطلب تماما.
90 عاما من المشاكل الاقتصادية
السلاسة التي نشأت بها الأردن لم تكن لتنبئ بعقود المحن والأزمات التي اختبرها الحكام الهاشميون المتتابعون في جهودهم المستمرة للحفاظ على سلامة المملكة. الملك عبد الله الثاني ليس استثناءً واضطرّ لمواجهة مشكلة الأردن الدائمة تقريبا؛ استيعاب أمواج اللاجئين الهاربة من صراعات لم تكن الأردن دوما طرفا فيها. في خمسة حروب متتالية غدت الأردن وطنَ ما يقارب 3 ملايين لاجئ.
دائرة الإحصاءات الأردنية لم تعطِ معلومات بما يتعلق بعدد اللاجئين الفلسطينيين ضمن حدود البلاد. لكن ثلاثة أفواج متتابعة من اللاجئين (1948, 1967, و1991) أدّت إلى وضع يشكّل فيه الفلسطينيون أغلبية واضحة ب6.25 مليون شخص يتواجدون في المملكة حتى نهاية 2011. على خلاف ما يقرب النصف مليون عراقي الذين وجدوا ملجأً في الأردن عند ظهور حروب 1991 و2003 أو ال175.000 سوري الذين فرّوا من حمام الدم في بلدهم, الفلسطينيون هم مواطنون ذوو حقوق سياسية ومدنية كاملة. هذه الحقيقة الحاسمة والحاضرة دوما تقود سياسيات الأردن الداخلية والخارجية.
الموجة الأخيرة من اللاجئين واجهت الأردن بضغوط طويلة المدى على اقتصاد هشّ بالأساس. الفوضى وحالة الشك السياسي في العراق وسوريا لا يبدو أنّها ستختفي في المستقبل القريب. هذا فقط يزيد من الضرورة الملحّة لإيجاد حلول دائمة لحاجات السكن, التعليم, الصحة, والتوظيف للاجئين الذين توجهوا للملكة. خلف الظروف الفريدة لوضعها الحالي؛ استقبال أرقام ضخمة من اللاجئين في فترات زمنية قصيرة, على الأردن أن تتصارع مع تأثير الأزمات الاقتصادية العالمية, بما فيها الزيادة الحادة في أسعار النفط والسلع الأساسية. معترفا بوضع الأردن الاقتصادي والسياسي الرهيب, منح صندوق النقد الدولي حديثاً المملكة قرضا ب2 بليون دولار يتجاوز بكثير حقوق السحب المخصصة للأردن.
هذا القرض جاء إضافة ل700 مليون دولار منحتها واشنطن للأردن في 2012 ومنحة ال1.25 بليون دولار التي حصلت عليها المملكة من صندوق مساعدة أنشأه بعض أعضاء مجلس التعاون الخليجي. هذا التمويل يهدف لمساعدة عمان لتصل إلى 5 بليون دولار. كما كان هناك تعهدات لمساعدة الأردن من قبل جهات مانحة بما فيها الاتحاد الأوروبي. كل ما سبق ذكره يمثّل مستوى مؤثرا من المساعدة التي قد تخفف من الوضع الاقتصادي في حدود قصيرة ومتوسطة. إذا ما أديرت بشكل صحيح، يمكن لهذه الأموال أن تقطع شوطا طويلا نحو الحد من استياء شعبي ضد الحكومة والقصر. انتشر في السنوات الأخيرة استياء كهذا ضمن فئات من السكان لطالما كانت ركائز للنظام، وهذه قد تكون فرصة أخيرة لمعالجة الوضع.
الضغوط السياسية الجديدة
بينما تحاول أن تتكيف مع الضغوط الديمغرافية والاقتصادية، تشارك الأردن في معركة سياسية محلية يجب أن يُنظر إليها كجزء من الصحوة العربية التي تجتاح المنطقة، لكنها معركة لديها أبعادها المحلية الخاصة. الملك عبد الله الثاني كان واحدا من الحكام العرب الأوائل الذين فهموا الطبيعة المتفجرة للاضطرابات في الشرق الأوسط، وواحدا من أول من قدّموا إصلاحات سياسية. خلافا لغيرها من الدول العربية التي تم فيها بعض الإصلاحات، مثل تونس والمغرب، تغييرات سياسية بعيدة المدى قد تهدد الجوهر الأساسي، وحتى قد تهدد وجود ما خلقه تشرشل عام 1921 والذي يدعى الأردن.
على الرغم من كل أوجه القصور، الملكية المطلقة كانت هي التي جمعت الأردن منذ نشأت بدايةً وهذا ما حافظ على سلامتها الإقليمية. من 1948-67 كانت الأردن تسيطر على الضفة الغربية، لكنها جرّدت من هذا الإقليم في حرب الستة أيام في 1967. بعد فوات الأوان، قد يكون خُسران الضفة الغربية أجّل مواجهة المملكة الهاشمية مع معضلة الوجود التي تواجهها الآن.
في محاولة للحفاظ أقلّه على مظهر الصواب السياسي، الديمقراطية من ناحية، والسيادة السياسية لمجتمع اللاجئين الفلسطينيين لما قبل 1948-67 ومعظم القبائل البدوية من ناحية أخرى، طُوِّر نظام «الصوت الواحد» الانتخابي. بينما كل تصويت لفلسطيني أو بدوي يتساويان، تمثيلهما في البرلمان غير متساو. عن قصد انحرف القانون للحفاظ على أغلبية برلمانية ساحقة في يد شرائح المجتمع غير الفلسطينية، والتي تشكّل أقلية من السكان. تم هذا عن طريق تخصيص وزن غير متكافئ لمناطق قليلة السكان، خصوصا تلك التي في جنوب عمان، والتي تشكّل قاعدة بدوية تدعم النظام. تم هذا على حساب الناخبين في عمان، إربد أو الزرقاء حيث يتواجد الفلسطينيون. الطفيلة، قرية صغيرة في الجنوب، خُصص لها 4 مقاعد في البرلمان، بينما عمان، حيث عدد السكان أكبر بثلاثة مرات، حصلت على 23 فقط.
مع ذلك، هذا النظام سيتم تجديده قريبا وفقا لمقترحات الحكومة التي وافق عليها البرلمان الحالي. وافق الملك على السماح للأحزاب الوطنية لتعمل والسماح لسبعة وعشرين نائبا من 150 مقعدا مقترحا في مجلس النواب ليُنتَخبوا على أساس وطني. هذا، بطبيعة الحال، بعيد كل البعد عن طلب المعارضة بأن يُنتَخَب نصف عدد المرشحين على أساس وطني. هذا الطلب مقدَّم أساسا من الأخوان المسلمين، والتي لديها ذراعا سياسيا جيد التنظيم؛ جبهة العمل الإسلامي. الإخوان المسلمون متواجدة لتغدو الفائز الأكبر تحت أيّ نظام يسمح للأحزاب السياسية بتقديم مرشحين للاقتراع الوطني. عند هذه النقطة، كل أحزاب المعارضة المتنامية قالت أنّها ستقاطع الانتخابات التي التزم الملك ولجنة الانتخابات بعقدها قبل نهاية عام 2012.
في مقابلة أجريت معه مؤخرا، خاطب الملك الإخوان المسلمين مباشرة، ذاكرا أنّهم يقومون ب»حساب خاطئ بشكل هائل». واعترف بأنّ الإصلاحات وقانون الانتخابات الجديد ليست مثالية لكن يبقى أنّها مدعومة من قبل ثلثي الأردنيين. «...في الأردن لا يمكننا إيجاد قانون مفصّل خصيصا فقط لحزب سياسي واحد أو مجموعة أقلية، سيحدث هذا الأمر صخبا أكثر.»
بذلك رسم الملك خطا في الرمال. الأمر الآن متروك للإخوان المسلمين لتقرر ما إذا كانت لديهم القدرة والتأييد السياسي الكافي للقيام بمواجهة مباشرة مع النظام في محاولة لانتزاع المزيد من التنازلات في قانون الانتخابات. قد يتشجعوا على مواصلة مقاطعتهم للانتخابات في ظل حقيقة أنّ الحكومة وافقت بالفعل على تعديل القانون من خلال زيادة عدد الأعضاء المنتخبين وطنيا من 17 إلى 27.
بيد أنّ هذا كان نوعا من التعديل التجميلي، إذ أنّ الحكومة زادت أيضا العدد الإجمالي للمقاعد من 140 إلى 150، ممّا يترك النسب على حالها تقريبا.
معركة ملكية
للتأكيد، هذه ليست مجرد معركة على عدد المقاعد في البرلمان أو حتى على الطريقة التي سوف يُنتَخَب بها النواب الجدد في البرلمان المقبل. هذه معركة من أجل مستقبل الأردن؛ معركة لتحديد من سوف يحكم البلاد. الذي على المحك هنا هو ما إذا سيكون الملك عبد الله الثاني قادرا على الحفاظ على الدور والصلاحيات الممنوحة لجده الأكبر عبد الله الأول من تشرشل. لكن الوضع يكون أكثر تعقيدا عندما نتذكر أنّ حدود الأردن تم تحديدها عن طريق خطوط مرسومة بقلم رصاص على خرائط للصحراء. يكمن وراء مستقبل المملكة والعاهل مستقبل معاهدة 1915-16 الأنجلو فرنسية (وإن كان فيها بعض التعاون الروسي) الإنتاج المشترك المسمّى سايكس بيكو، الذي هو الأساس للتكوين السياسي الحالي للشرق الأوسط.
الثورة العربية التي اندلعت في بداية عام 2011 هزّت الدول العربية من شمال إفريقيا إلى منطقة الهلال الخصيب، كما أدّت لتغيير النظام في عدد منهم، أوصلت الإخوان المسلمين بشكل أو بآخر إلى السلطة السياسية في بلدين على الأقل. حتى الآن، لم تتغير أيّ حدود في الثمانية عشر شهرا من الاضطرابات في الشرق الأوسط، لكن طرأت حقائق جيوسياسية جديدة. العراق هي بالأصل، بحكم الأمر الواقع، اتحاد كونفدرالي حافظ على صبغة خارجية لمظهر الدولة. هذا بالطبع، تطوُّر يمكن تكراره في سوريا بعد انهيار نظام الأسد. حكومة حماس في غزة تفصل نفسها تدريجيا (مع بعض التشجيع من جيرانها الإسرائيليين والمصريين) عن السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وتُظهر الاستعداد للتحالف مع مصر في ظل حكومة الإخوان المسلمين.
هل الأردن هي القادمة؟ التطورات المذكورة أعلاه معروفة ويُنظر إليها إمّا بقلق أو بأمل. قادة الجناح الأردني من الأخوان المسلمين لا يمكن إلاّ أن يتشجعوا من التطورات في الأماكن الأخرى من العالم العربي، وخاصة مصر. على الرغم من القلق بشكل كبير من المقاطعة الحالية للانتخابات المقبلة، يمكن أيضا أن يأخذ الملك راحة في ظل حقيقة أنّ قلة من أعضاء المعارضة نزلوا إلى الشوارع. حتى الآن، ليس هناك ما يعادل ميدان التحرير في عمان. إذا ساد موقف رصين من جانبي الانقسام السياسي الأردني، وإذا تمكّنت مصر من إبقاء الأخوان المسلمين في الأردن معتدلين، يمكن العثور على صيغة توافقية لسحب مقاطعة الانتخابات المقبلة. في المقابلة المذكورة آنفا، أعرب الملك عن استعداده للنظر في مزيد من الإصلاحات خلال الدورة البرلمانية المقبلة.
الاستجابة السخية من صندوق النقد الدولي، والولايات المتحدة، وبعض دول الخليج المنتجة للنفط، أعطت العاهل الأردني فسحة لالتقاط الأنفاس، ويمكن أن تنتج الموارد المالية التي تحت تصرفه، إمكانات توظيف قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى. بطبيعة الحال، هذا المال يجب أن يُدار بشكل صارم من أجل منع أيّ مزاعم فساد وسوء إدارة، وهدر.
يستطيع الملك عبد الله الثاني على الأرجح أن يدير المشاكل الداخلية والأزمات شاهرا قبضة مخملية؛ وهي بالاستخدام الحكيم للسلطة، والإدارة الواعية للوسائل الاقتصادية، وتنفيذ الإصلاحات السياسية. بطبيعة الحال هو لا يملك السيطرة على جميع التطورات في منطقة الجوار المحيطة. جده الأكبر ووالده بالكاد نجيا من العواصف الإقليمية. في محنهم كانوا يُساعَدون سياسيا وعسكريا، أولا من قبل بريطانيا العظمى ثم من الولايات المتحدة. مثل غيره في منطقة الشرق الأوسط، الملك، على الأرجح، يسأل نفسه ما إذا كان من المحتمل أن تقدِّم واشنطن مساعدة بعد المال والمعدات العسكرية.
الزاوية الإسرائيلية
تسببت الانتفاضة العربية بالفعل في تدهور توازن «إسرائيل» الجيوستراتيجي. على الرغم من السلام البارد جدا الذي كان قائما بين مصر و»إسرائيل» وبين الأردن و»إسرائيل»، لا يزال لدى القدس محاورين يمكن معهم الحفاظ على حوار معقول. في هذا الصدد، القضاء على نظام مبارك في مصر ترك فراغا كبيرا. في الواقع، ضعف هذا الحزام الإستراتيجي بدأ في عام 2010 عندما وصلت العلاقات، خاصة التعاون الأمني، بين «إسرائيل» وتركيا إلى نهاية مفاجئة.
العلاقات بين الأردن و»إسرائيل» غدت محفوفة بالمخاطر وتقتصر على اتصالات بين الأجهزة الأمنية في البلدين. كثيرا ما ينتقد الملك عبد الله الثاني الحكومة الإسرائيلية لعدم إحراز تقدم في العملية السياسية مع الفلسطينيين. وعلى سبيل المثال، في المقابلة المذكورة سابقا، اتهم الملك «إسرائيل» بوضع ضغوط على شركاء محتملين سعت لهم الأردن لتطوير برنامجها النووي. بغضّ النظر عن أيّ ضغوط إسرائيلية، فمن الواضح أنّه نظرا للضائقة الاقتصادية التي وَجَد الأردن نفسه فيها، لا يمكن أن تتحمّل عمان تكلفة مشروع كهذا بعدة مليارات من الدولارات. قرار الملك بتعليل تعليق المخطط على «إسرائيل» يدلّ على الحالة الراهنة للعلاقات.
تطور الحالة في الشرق الأوسط هو مدعاة للقلق لكل من عمان والقدس. كلتاهما يجب أن تسعى للحفاظ على حوار هادئ رفيع المستوى بشأن سوريا والقضية الفلسطينية، وسيادة الأنظمة الأصولية في المنطقة. على «إسرائيل» أن تعمل بشكل جيد لمساعدة الأردن اقتصاديا قدر الإمكان. على سبيل المثال، يمكن ل»إسرائيل» أن تفعل الكثير للمساعدة في حل مشاكل الأردن القائمة مع المياه. يجب على قادة «إسرائيل» الامتناع عن الردّ على التصريحات الاستفزازية من قبل العاهل الأردني تماما كما فعلوا في حالة ملاحظاته حول البرنامج النووي، أو، وهو الأهم، حول عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. في حين يمكن تبرير بعض الانتقادات لدولة «إسرائيل»، تقييم الملك لقوة أبو مازن السياسية وقدرته على إجراء مفاوضات جادة، لا يختلف كثيرا عن الجانب الإسرائيلي. بغضّ النظر عن أيّ توترات حالية، الأمر المفضّل ل»إسرائيل» يجب أن يكون الاستقرار السياسي واستمرارية النظام الحالي في الأردن. قد يجادل البعض بأنّ في عام 1967، 1948 أو 1970، واجهت الأردن أزمات وجود أكثر شدة. مع ذلك لم يحدث من قبل أن كان لديها بارزين داخليا، إقليميا وعالميا منحازين سلبا كما هي الحال اليوم. لإنقاذ المملكة كما نعرفها، سيحتاج الملك عبد الله الثاني إلى كل ذرة من الحكمة، الشجاعة، والكفاءة للقدرة على المناورة التي ورّثت له من قبل أجداده.
* أوديد عيران دبلوماسي إسرائيلي متقاعد. ضمن مناصبه المتعددة كان السفير في الأردن (1997-2000)، ورئيس فريق المفاوضات مع الفلسطينيين (1999-2000)، والسفير للاتحاد الأوروبي وحلف الناتو (2002-2007). بعد تقاعده من وزارة الخارجية عمل إيران كمدير لمعهد الدراسات الأمنية الوطنية (2008-20011) و هو حاليا باحث بارز في المعهد.
نقلا عن السبيل .