الربيع العربي في كتاب تشكيل الحكومة
د.حسين الخزاعي
13-10-2012 12:11 AM
المدقق والباحث في كتاب التكليف السامي الذي كلف بموجبه الملك عبد الله الثاني الدكتور عبد الله النسور بتشكيل حكومة جديدة بتاريخ 10/10/2012 يلاحظ وللمرة الأولى بروز مصطلح الربيع العربي في مضمون كتاب التكليف، وبهذا التكليف الملكي للدكتور عبد الله النسور نرصد تشكيل خمس حكومات اردنية منذ انطلاق الربيع العربي الذي شمل كل البلدان العربية وبعض البلدان الاجنبية منذ 17 كانون الثاني 2010 ، والحكومات الأردنية التي تشكلت بعد الربيع العربي هي مع حفظ الالقاب: ( سمير الرفاعي الثانية 24/11/2010، معروف البخيت الثانية 10/02/2011، عون الخصاونة 24/10/2011، فايز الطراونة 3/5/2012، وعبد الله النسور 10/10/2012) .
في السيرة الذاتية لمسيرة الدكتور النسور نجد فيها مقومات رجل الدولة الناجح ، والمعارض الايجابي - الدقر - المواطن الصالح المتواضع جدا، المفكر السياسي، القاريء والمثقف والمحاور ، النزيه البعيد عن الشبهات والبزنس وتجارة السياسة ومقايضة المواقف بالرغم من تقلده العديد من الوزارات والمؤسسات الحكومية ، وعضوا في العديد من الهيئات والجمعيات التطوعية والجامعات الرسمية والخاصة، فالنسور والذي عرفته شخصيا منذ منتصف الثمانينيات ، ومتابعتي لمسيرة حياته التي تدرج فيها من موظف في الحكومة في وزارة المالية وتدرج فيها حتى عمل مديرا لدائرة الموازنة العامة في مطلع الثمانيات، وكان اول وزير للتخطيط في الاردن بعد انشاء وزارة التخطيط في عهد حكومة زيد الرفاعي الرابعة يوم ( 4 نيسان 1985 - 27/4/1989 ) وفاز كنائب في البرلمان عن محافظة البلقاء بدون الاكتراث الى قانون الانتخاب الصوت الواحد او القائمة فهو يتمتع بشعبية داخل محافظة البلقاء وخارجها ، وعمل نائبا لرئيس الوزراء ووزيرا للخارجية والتعليم العالي والتربية والتعليم و.. . . فهو مخضرم ومجرب وصاحب قرار وفوق كل هذا فهو صديق صدوق وفي طيب العشرة .
والتوجيهات والرسائل والاشارات التي نلتقطها من كتاب التكليف للدكتور النسور تحرص على مواصلة مسيرة الإصلاح وما أنتجته من قواعد دستورية وقوانين ومؤسسات ديموقراطية، تشرك المواطن في صنع القرار، فمنذ عشر سنوات ونيف، بدأت التوجيهات الملكية المطالبة بالاصلاح والتحديث ، وحققت إنجازات لا بأس بها على هذا الصعيد، ونتوقف عند مقولة الملك عبد الله والتي يذكرها بشكل مباشر في كتاب التكليف السامي اذ يقول " حين مرت المنطقة بالربيع العربي، عكفنا على تسريع تنفيذ نهج إصلاحي مترابط، فتوالت الإصلاحات والإنجازات، مكتسبا ديموقراطياً تلو الآخر، فعُدِّلَ وطوّر قانون الاجتماعات العامة، وتم تأسيس نقابة المعلمين، وشُكِّلَت لجنة وطنية للحوار للتدارس في شأن قانوني الانتخاب والأحزاب، وقادنا التوافق الوطني المتاح إلى قانوني أحزاب وانتخاب نتطلع إلى استمرار تطويرهما عبر القنوات الدستورية والمؤسسية، ثم جاءت التعديلات الدستورية التي طالت حوالي ثلث الدستور، فرسخت الحريات، ووفرت المزيد من الضمانات للسلطة القضائية والتشريعية إزاء السلطة التنفيذية، فألغت إمكانية تعطيل الحياة البرلمانية وقيَّدت حل مجلس النواب. ونحن نعيش اليوم الأثر الإيجابي لهذه التعديلات على حياتنا السياسية، كما نتج عنها مؤسسات ديمقراطية جديدة، أبرزها المحكمة الدستورية والهيئة المستقلة للانتخاب. كما نفذنا جملة الاستحقاقات التي شكلت محاور رؤيتنا لعملية التجديد الديمقراطي والسياسي، فأُنجِزَت القوانين الناظمة للحياة السياسية، وحُلَّ البرلمان، ودعونا لانتخابات مبكرة، ونتطلّع قدماً للبرلمان القادم الذي سيؤسس لإرساء مفهوم التحول نحو الحكومات البرلمانية.
ونستطيع من تحليل مضامين كتاب التكليف السامي التقاط الاشارات التالية:
1 – مشاركة المواطن في الانتخابات ( اقتراعا وترشيحا ورقابة ) هي التي ستحدد البرلمان القادم والحكومة القادمة .
2 - تعزيز التعاون مع الهيئة المستقلة للانتخاب ودعمها، كونها الجهة التي ستتولى إدارة الانتخابات المبكرة والإشراف عليها وفق أفضل المعايير الدولية للنزاهة والحياد والشفافية وعدالة العملية الانتخابية، وصولا إلى انتخاب مجلس نيابي يعبر عن الإرادة الحقيقية للشعب وتطلعاته في مستقبل أفضل. وعلى ذلك، فإن مسؤولية هذه الحكومة الرئيسة في هذه المرحلة الانتقالية هي التأسيس لنقلة نوعية في تاريخ الأردن السياسي وتحوله الديمقراطي.
3 – مواصلة الحوار مع جميع شرائح المجتمع والأحزاب والقوى السياسية لتشجيعها على المشاركة الفاعلة في الانتخابات ترشيحاً وانتخاباً، والاستمرار في حثّ الأحزاب والقوى السياسية على تبني برامج عملية ومنطقية تقنع الناخبين وتستجيب لطموحاتهم، وتمكنهم من التأثير بفاعلية في عملية رسم السياسات، خاصة فئة الشباب لدورها الريادي في مسيرة الإصلاح والتحديث. وهذه اشارة للحكومة للانفتاح على مؤسسات المجتمع المدني والنقابات والاحزاب السياسية والتركيز على الاحزاب التي قاطعت المشاركة في الانتخابات النيابية يتقدمها الاخوان المسلمين، ونرصد بدء رئيس الوزراء بارسال اشارات تتعلق بثنيهم عن المقاطعة من خلال تمديد مدة التسجيل للانتخابات وضمان نزاهة الانتخابات .
4 – تنفيذ الانتخابات البلدية، وترسيخ النهج الديمقراطي، مما يثري العملية التمثيلية في كل مستوياتها، لتمكين المواطنين من صنع قرارهم الوطني والمحلي وتعزيز ثقتهم بدولتهم ومؤسساتها.
5- انطلاقة الربيع العربي عملت على تحويل التحديات إلى فرص وحوافز للإصلاح وترسيخ الديمقراطية. ويذكر الملك النموذج الاردني في الربيع الاردني من استشرافه للمستقبل الواعد اذ يقول " سيسجل التاريخ، والذاكرة الوطنية أن الربيع الأردني كان حضاريا ومسؤولا وواعيا ونموذجا في السلمية.
6- مسؤولية الحكومة تتجسد في احترام حق المواطن في التعبير عن الرأي في إطار القانون، والتأكيد على حقه في التظاهر السلمي الذي لا يعتدي على الممتلكات العامة أو الخاصة ولا ينتهك حقوق الآخرين أو ينتقص منها، بل يحترم اختلاف الرأي وتنوعه، دون التهاون في حفظ أمن الوطن والمواطن وفرض النظام وسيادة القانون.
6- الجهاز القضائي هو الضمانة لتحقيق العدالة والمساواة وسيادة القانون بين الجميع، فإن على الحكومة تقديم كل أشكال الدعم لتمكين جهازنا القضائي من تنفيذ خططه وبرامجه، وتحسين أداء مرافقه وأجهزته، وتسريع إجراءات التقاضي.
7- العمل بجدية لإطلاق منظومة متكاملة لضوابط العمل العام، تتضمن آليات محددة للتعيين والترفيع وخاصة في المناصب العليا، بما يضمن بناء القدرات والكفاءات والحفاظ عليها، وتعزيز مبادئ الشفافية والعدالة وتكافؤ الفرص ومحاربة ظاهرة الواسطة والمحسوبية.
8- إيلاء الاهتمام للتحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تنعكس آثارها السلبية على حياة المواطنين، من خلال تعزيز شبكة الأمان الاجتماعي، واستحداث آليات جديدة لتوجيه الدعم لمستحقيه بالتشاور والحوار مع مختلف القطاعات ومؤسسات المجتمع المدني والقوى السياسية المختلفة، بما يضمن الحياة الكريمة لهم، ويقوي الطبقة الوسطى التي تعتبر صمام الأمان في المجتمع والرافعة الحقيقية لإنجاح عملية الإصلاح الشامل.
9- الاستفادة من نعمة الأمن وميزة الاستقرار، لتوفير فرص عمل للأردنيين وبما ينعكس إيجابياً على نوعية حياتهم.
10- توفير الدعم اللازم لصندوق تنمية المحافظات، الذي تم إطلاقه مؤخراً، وتسريع تنفيذ مشاريعه بما يضمن عدالة أكبر في توزيع مكتسبات وعوائد التنمية على مختلف المناطق، وإيجاد فرص عمل جديدة، وتعزيز ثقافة الأعمال الريادية، بالإضافة إلى توفير فرص أكبر للقروض الصغيرة والميسرة لا سيما في المناطق ذات الظروف الخاصة والأقل حظاً، وبما يشجع روح المبادرة والاعتماد على الذات.
11- تحسين مستوى الخدمات المقدمة للمواطن يشكل أحد أهم أولويات الحكومة، وهذا يتطلب من الفريق الوزاري - التشمير عن اذرعهم – والانطلاق نحو العمل الميداني الذي يضمن التواصل المباشر مع المواطنين وقضاياهم، والاستجابة السريعة والعادلة والحكيمة لقضاياهم في جميع المحافظات.
12- ايلاء الشباب أهمية كبيرة في سبيل تمكينهم من بناء مستقبلهم، وإيجاد فرص العمل الملائمة لهم، بالإضافة إلى الإسراع في إنجاز مشروع قانون حماية المستهلك لضمان حماية المواطن من أثار التضخم في الأسعار، وتآكل الدخول، بالإضافة إلى مواصلة العمل لتحسين مستوى الخدمات المقدمة لذوي الاحتياجات الخاصة والفئات الأخرى المحتاجة للرعاية الاجتماعية.
13- الوعي والحكمة واليقظة وبذل المزيد من الجهد لحماية الوحدة الوطنية، وتماسك الجبهة الداخلية، والوقوف صفا واحدا للدفاع عن الوطن ومكتسباته وعدم الإساءة لإنجازاته ونسيجه المجتمعي.
14- الإعلام منبر للحوار الوطني البناء، ودوره الرقابي هام وداعم لعملية الإصلاح، من خلال الكشف عن الأخطاء والتنبيه إلى التقصير، عبر أدوات العمل الإعلامي المتنوعة والمستندة إلى المصداقية والحياد، والنقد الموضوعي والبنّاء، والتي تسهم في تشكيل أجندة الأولويات والنقاشات والحوارات الوطنية بما يخدم احتياجات الوطن والمواطن ويثري العملية الإصلاحية. وتنفيذ الإستراتيجية الوطنية للإعلام بمختلف محاورها وأدواتها من أجل تأسيس تعاون وتواصل شفاف ومثمر بين الدولة والإعلام والمواطن، والمساهمة في الارتقاء بمستوى ونوعية أداء الإعلام الوطني.
15- التطورات الإقليمية في المنطقة رتبت تحديات أمنية غير مسبوقة يتصدى لها أبناء وبنات الوطن النشامى بكل حكمة ومهنية وشجاعة في قواتنا المسلحة الباسلة وجميع المؤسسات الأمنية، ويبذلون المستحيل ويصلون الليل بالنهار ذودا عن الوطن وحرصاً على أمن وراحة المواطن. وعليه، فإن من الواجب الاستمرار في تقديم الدعم لجميع منتسبي قواتنا المسلحة وأجهزتنا الأمنية الباسلة الساهرة على أمن واستقرار الوطن، كي تواصل النهوض بمسؤولياتها الجسام بمنتهى الكفاءة والاقتدار، وإبراز وجه الأردن الحضاري والإنساني على المستوى الإقليمي والعالمي.
16- منذ بدء الأزمة السورية وتطور الأحداث المؤسفة، عقد الأردن العزم على المضي في تحمل مسؤولياته القومية والإنسانية تجاه ألاشقاء السوريين الذين أجبرتهم الظروف على اللجوء إلى الأردن. فالحكومه معنية في الاستمرار في توفير كافة أشكال الدعم لهم ضمن الإمكانات المتاحة، وتكثيف الاتصال مع المنظمات الدولية المختصة والمجتمع الدولي من أجل توفير الدعم المادي والإغاثي اللازمين لتحسين مستوى الخدمات والرعاية المقدمة للاجئين السوريين، لتفادي تفاقم الوضع الإنساني لمخيمات اللاجئين على أعتاب فصل الشتاء.
17- تعزيز العمل العربي المشترك ودعم القضايا ألعربية والإسلامية العادلة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية التي تتصدر أولويات سياسة الأردن الخارجية.
وبعد،،، هذه رؤية الملك للربيع العربي الاردني والتي ترد للمرة الأولى في كتب التكليف السامي، وهي رؤية حكيمة تنطلق من الواقع المعيشي لافراد المجتمع، وهذه الرؤية لن تتحق إلا من خلال الوعي والحكمة واليقظة وبذل المزيد من الجهد لحماية الوحدة الوطنية، وتماسك الجبهة الداخلية، والوقوف صفا واحدا للدفاع عن الوطن ومكتسباته وعدم الإساءة لإنجازاته ونسيجه المجتمعي.
مسك الختام ،،، طريق الحكومة ليس مفروشا بالورد والياسمين ، مطبات وعراقيل كثيرة ستواجه رئيس الوزراء في مواصلة مسيرة الاصلاح ، ولكن حنكة وخبرة ودماثة وادارة رئيس الوزراء التي عرفناها عنه ستمكنه من النجاح في مهمته، ندعو له بالصبر والتوفيق والنجاح ، ونؤكد للفريق الحكومي ضرورة التقاط الاشارات التي وردت في كتاب التكليف، فالربيع الاردني لن يكون حضاري ومثالي الا اذا عمل الجميع بجد واخلاص ووفاء .