كلام في الفقر .. وواجبات المجتمع
حسين الرواشدة
12-10-2012 03:41 AM
منذ ان اطلق مالتوس نظريته الشهيرة حول”العلاقة بين ازدياد عدد السكان والمجاعة التي تهدد البشرية”،واعقبه بول ايرنخ بكتاب “القنبلة السكانية”التي تدفع العالم باتجاه المزيد من الفقر...والناس تتسآل بقلق “هل بدأت الارض تعجز فعلاً عن اطعام سكانها...هل المشكلة في اختلال الموارد ام في اختلال التوزيع...في النظام الاقتصادي المعاصر ام في سوء التنمية والتنقية...في عولمة الفقر ام في فقر العولمة؟
الاسلام حسم الجدل مبكراً،فالارض تنتج مايكفي لاطعام سكانها
((“وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها اقواتها”)) والمشكلة في الانسان: عبثه في الطبيعة،واحتكاره لمواردها،وسوء توزيعه لخيراتها،وعدم فهمه لسنن الله سبحانه وتعالى في الاستفادة منها واستثمارها واعتماد المنهج الصحيح في التعامل معها.
اما التجربة الاسلامية فقد شهدت-وتلك سابقة في تاريخ الامم ولم تتكرر-بأن حل مشكلة الفقر مسألة ممكنة،وقد حدث هذا بعد مئة عام من بداية الدعوة الاسلامية،حين استطاع الخليفة عمر بن عبد العزيز ان يقضي تماماً على الفقر،و جمعت الزكاة -آنذاك-ولم يجد بيت مال المسلمين فقيراً ليدفعها اليه،مما اضطره لتحويلها لابواب اخرى مثل تحرير الارقاء وقضاء الديون وتزويج الشباب....الخ.
لا يخطر في بالي ابداً إن استدعي التاريخ،او ان اثبت الاسباب التي حددها فقهاؤنا لمشكلة “الغلاء”او”الفقر”، او الحلول التي يقترحونها لمواجهة مشكلة التضخم او الكساد(في مقدمتها الزكاة،وتنظيم التسعير،وترشيد الاستهلاك وتحريم الربا والاحتكار...الخ)،ولا ان اناقش مسؤولية الاقتصاد العالمي عن انتاج الضائقة الاقتصادية التي انتهينا اليها،ولكنني استأذن في الاشارة الى ملاحظتين فقط على هامش الموضوع:
اولاهما ان اعادة الاهتمام بالامن الغذائي،محليا وعربياً،اصبح فريضة تتقدم على الامن السياسي الذي يوضع الان في قائمة الاولويات،وان هذا الاهتمام يقتضي التفكير جدياً بمراجعة مناهجنا الاقتصادية بشكل جذري،واقصد ضرورة الالتفات الى مالدينا من تجربة تاريخية في هذا الاطار،صحيح ان نقلها بالكامل غير ممكن اليوم،لكن الاستفادة منها وتطويرها مسألة مهمة وضرورية ،خذ مثلاً مايتعلق بالزكاة او التكافل او الاعتماد على الذات او تشجيع الزراعة(وهي اهم اصول الامن الغذائي في الاسلام،يتلوها العمل وتنظيم السوق...الخ)،او ترشيد الاستهلاك..الى غير ذلك من القيم الاقتصادية الاسلامية التي تحتاج الى (“بيئة عقيدية”)صحيحة تساعدها على البروز والانتاج.
اما الملاحظة الثانية فتتعلق بالعمل الخيري العام،والمسؤول الاول عنه هنا هو المجتمع(دعك الان من مسؤولية الدولة)،واذا كان من صميم واجبه ان يبادر الى ممارسة دوره(وهو هنا فريضة وضرورة)في تحقيق التكافل وطرح مايناسب من الحلول لمشكلات الفقر وغيرها من القضايا الاجتماعية(نتذكر دوره الاجتماعي على صعيد الاسرة ورعاية الايتام والمسنين ومكافحة المخدرات وبعض الامراض...الخ)فان المطلوب ان تفتح امامه الابواب لممارسة هذا الواجب،وان ترفع عنه القيود المفروضة التي لا يبرها منطق ولاتقتضيها مصلحة.
لدي شكوى من اكثر من جهة،تعمل في هذا الاطار،،وتواجه صورا مختلفة من المنع لنشاطاتها الفكرية ومؤتمراتها وما يصلها من معونات وتبرعات،ولدي –ايضا- نماذج لمؤسسات واشخاص حققوا المعجزات في مجال العمل الاجتماعي ولكنهم عوقبوا بدلا من ان يكافأوا...وانا-هنا- لا اقصد “المضايقات”التي تجري على المهاد السياسي،وهي معروفة ومفهومة،ولكن على مهاد العمل الاجتماعي المحض الذي يتعلق بالمحافظةعلى الاسرة او تقديم المعونات على الفقراء او المحتاجين او غير ذلك من صور التكافل والتعاون..
قديما قيل على سبيل الحكمة:لا خيل عندك تهديها ولا مال/فليحسن النطق ان لم تحسن الحال..
الدستور