كتاب جديد لسعد ابوديه (سليمان عرار في ذاكرة الوطن)
11-10-2012 08:34 PM
سليمان عرار.. سيرة حافلة***
جاءت فكرة هذا الكتاب انطلاقاً من إيماني بأن سيرة سليمان عرار تستحق التوقف والتأمل فيها ولأن أحداً من أصدقاء سليمان لم يفكر في الكتابة عنه أو إصدار كتاب . فكرت ان أوفي سليمان بعضاً من حقّه .. وقد استعنت برفاق دربه ومسيرة حياته، بدءاً بصالح الجيرودي الذي بدأ معه بالكلية العلمية الإسلامية, ثم فاروق بدران الذي زامله بالقاهرة أثناء "التوجيهي", ثم علي مشعل ومحمد توفيق كنعان اللذين عاشا معه بالإسكندرية.
يجد القارئ في هذا الكتاب شهادات أصدقاء سليمان وزملائه، أما بقية المواد، فهي ما كتبتُه يوم وفاته وما كتبته في ذكرى مرور أربعين يوماً على رحيله, وما كتبته في ذكرى مرور عشرة أعوام على ذلك أيضاً.
كما يشتمل الكتاب على بعض ما كتبه أصدقاء سليمان من مراثٍ في الصحف يوم وفاته، وما ألقاه الأصدقاء في يوم التأبين.
و لا بد من أن أشكر من أعماق قلبي جهود أبناء المؤسسة الصحفية الأردنية "الرأي" البررة، وأصالتهم، ونبلهم المميز، ومبادرتهم لدعم نشر هذا الكتاب وتقديم كل مساعدة ممكنة جزاهما الله كل الخير لهذا الوفاء لسليمان.
. والشكر كله لمن ساهم في دعم هذا الكتاب وقدم للوطن ما يفيد.
سليمان عرار :
و ُلد سليمان عرار في محافظة معان عام 1934، وهو ابن عطالله عرار، أحد أبناء عشيرة العقايلة التي تسكن في معان الحجازية، إذ إن معان كانت قسمَين: "شامية" و"حجازية"، .
كان سليمان كما يذكر صالح الجيرودي، يعدّ مواليد 1934 مميزين، وإذا لفته تميز أحدهم يبادره فوراً بالسؤال: "هل أنت من مواليد 1934؟" وكان صالح من مواليد تلك السنة .
وفي عمّان، تعرف سليمان على أول مجموعة من أصدقائه، ثم سافر إلى مصر ليدْرس التوجيهي هناك، وسكن في شقة في "مصر الجديدة" مع علي موافي وفاروق بدران، وحينها كان مصروفه عشرين جنيها شهرياً.
حصل سليمان على شهادة التوجيهي من مصر، ثم ذهب إلى الإسكندرية التي سبقه إليها وليد دعديس كريشان، والتحق بكلية الحقوق في 8/10/1953، ثم التحق بهما ابو علي محمد كريشان وعبد الوهاب صبحا ونذير محايري.
كانت الحياة في الإسكندرية رغيدة، وقد سكن سليمان في "الأزريطة"، وكان يلقّب من يسكن هناك بـ"الأزرطي"، وكانت إقامته مع سيدة ليبية الأصل.
وفي الإسكندرية التحق به طلبة طب منهم محمد كنعان وعلي مشعل. ويبدو أن سبب ذهاب سليمان إلى مصر أن مجموعة من أبناء معان سبقته إلى هناك غير وليد دعديس، ومنهم أحمد العقايلة ويوسف العظم أحد أبرز التربويين على مستوى الوطن.
عاد سليمان من مصر يحمل شهادة البكالوريوس في الحقوق، وعمل في ديوان المحاسبة لأربعة أشهر فقط قبل أن ينتقل إلى وزارة الخارجية ليعمل دبلوماسياً ويغادر بعد أشهر إلى جدة. وهناك عمل في معية الشيخ محمد أمين الشنقيطي الذي يعرف معان وأهلها، فقد خدم قاضياً فيها. ومكث سليمان في جدة ستة أعوام بدءاً من 23/10/1961.انسجم سليمان مع الشيخ لعدة اسباب منها ان الشيخ عاش وعمل في معان ويعرف ويحب اهلها ومنها ان سليمان مثل الشيخ في خفة الظل في مره لاحظ سليمان ان الشيخ يختم رسائله الرسميه بعبارات مثل مع فائق امتناني وخطر ببال سليمان ان يكتب في نهاية رساله عبارات مماثله مثل( مع بليغ حمدي )....... ويقول سليمان ان الشيخ استلم في يوم رساله من فرحان الشبيلات يقول فيها انه باع املاكه ولم يبق له سوى حصته في الحرم المكي كمسلم وهنا كتب له الشيخ ارجو تفويضي بهذه الحصه انتقل للمغرب والجزائر قبل ان يترك الخارجيه إلى وزارة الداخلية والاتحاد الوطني، وهو المؤسسة التي كانت حزباً لجمع طاقات الأردنيين وتوحيدهم بعد أحداث أيلول 1970، وكان سليمان مديراً عاماً للاتحاد، وهناك من أكد أن الناس كانوا يلتحقون بالإتحاد ليس إيماناً بمبادئ الاتحاد، بل اقتناعاً بحديث سليمان عنه.
وظهرت الحاجة إليه بعد تأسيس "الاتحاد الوطني"، وكانت الظروف صعبة بعد أحداث 1970، لأن توجه الحكومة للتعبئة الوطنية كان على أشده، وكان البحث عن وجوه جديدة من المناطق كافة وبدا أن سليمان هو الشخص المناسب من معان، ومن الجنوب بعامة، ولقد برزت موهبة سليمان في الكتابة والعلاقات الاجتماعية والعفوية .تمتع سليمان بشخصية مرحة محبة، والأهم بكرم ليس له مثيل، ليس في الدعوات بمنزله بشكل شبه يومي فحسب، وإنما في تقديم الهدايا أيضاً،
وعندما ، تغيّر الاتحاد، ذهب سليمان لصحيفة "الرأي" رئيساً للتحرير، وظل فيها خمسة أعوام حتى شكل مضر بدران وزارته في تموز 1976، وأصبح سليمان معه وزيراً للداخلية.
ويلاحظ المرء في الشهادات الحية التي قيلت في رثاء سليمان أو في حفل تأبينه، أن أكثر هذه الشهادات جاء من كوادر "الرأي"، وربما يكون السبب مرتبطاً بأن "الرأي" منبر للكتابة, عمل سليمان في "الرأي" خمسة أعوام، وفي السنة الأخيرة منها أصبح نقيباً للصحفيين
كانت تلك الفترة ليست هينة، بخاصة أنها جاء في مرحلة انتقالية في تاريخ الأردن، إذ كانت الحكومة مشغولة بالبحث عن شخصيات قوية ذات تأثير لاستيعاب ما استجد بعد أحداث أيلول 1970، وما تعرض له الأردن من عزلة عربية ظل يعاني منها سنوات. كانت الجبهة الداخلية مهمة، وكانت الحكومة تغربل وتنخل بحثاً عن وجوه جديدة ذات كفاءة، وفي معان كان الوضع حتى 1970 ان بهجت التلهوني هو "الكل في الكل"، وكان رجلاً قوياً، وعلى علاقة وطيدة مع السلطه،و في تلك الظروف لمع اسم سليمان. كان سليمان الشخصية المناسبة جداً لكي يظهر في الفترة التي تلت أحداث أيلول 1970، وقد كانت الدولة بحاجة للقضاء على تأثيرات تلك الأزمة وذيولها، إذ بدأ البحث عن شخصيات لمرحلة جديدة في تاريخ الأردن، وكان سليمان قاسماً مشتركاً في معظم المؤسسات والنشاطات حينئذٍ، ومنها الاتحاد الوطني -وهو حزب سياسي-، و كان سليمان قاسما مشتركا في صحيفة مثل صحيفة "الرأي" التي ظهرت في تلك الفترة الانتقالية في حياة الأردن.
كان الأردن في فترة "جهاد أكبر"، ويعمل على ساحتين؛ داخلية وخارجية، ، وكان لا بد من إشاعة الاستقرار الداخلي وتحسين العلاقات الخارجية.. وصودف أن حملَ سليمان تلك المؤهلات التي دفعته للسياسة، إذ لم يكد يحل عام 1976 إلا وقد أصبح سليمان وزيراً في أهم الوزارات، وهي التي تحتاج لمواصفات شخص مثله يعرف التعامل مع الجميع، ونجح فيها فكانت المحطة الثانية للنجاح بعد "الرأي". وفي وزارة الداخلية نجح سليمان ،وملأ الفراغ الذي أرادت الحكومة أن تملأه بعد عام 1970،كانت الدنيا طوال السبيعنات تبتسم له، وكما يقول المصريون: "كانت تضحك له"، ثم دخلت المنطقة في عملية سلام بدأته مصر،وبدأت المنطقة تدخل في منعطفات جديدة كان من المؤكد أن "سليمان" ليس من أنصارها..
. ظلت الدنيا تبتسم لسليمان حتى في مطلع الثمانينات و استلم سليمان رئاسة المجلس الوطني الاستشاري، وظل فيه حتى عام 1984 ليعود إلى وزارة الداخلية.
في عالم الاقتصاد
انشغل سليمان بالزراعة، إذ استصلح أرضاً في بير ابن "جازي"، وفتح الطريق لبناء مزارع في تلك المنطقة.. وقال لي يسري الجازي ان سليمان صاحب حظ حتى في المزرعه كان هو الرائد ونجح نجاحاً باهراً،وتوسع وأخذ وكالة شركة للسيارات وللأدوات الكهربائية (دايو)ونجح فيها أيضاً. لقد كانت الدنيا تضحك لسليمان معظم الوقت، لكن الاقتصاد ليس من أولوياته، بل هو رجل سياسة، خاض غمار السياسة، حتى أصبحت في دمه.
حادث الطائره:
ومن ابرز مامر في حياة سليمان في وسط الثمانينات وهو بعيدا عن السياسه حادث سقوط الطائره وكانت الدنيا تبتسم ايضا لا بل "تضحك له".. اذ سقطت الطائرة التي تحمل "سليمان" في رحلة من بغداد لعمّان يوم 25/12/1986، ,;وكتب الله له ولاخيه خالد واخرين النجاة
!
ومن الطرائف إن صحفياً أميركياً سأله عن العلاقة بين اسم عرار وبين المكان الذي سقطت فيه الطائرة وهو "عرعر" في شمال السعودية (تُكتب بالإنجليزية ARAR مثل عرار ARAR)، وكان من الصعب إقناع الصحفي أنها صدفة، وأن لا علاقة بين "عرعر" و"عرار"..
عاد سليمان للحكومة والجهاز التشريعي في العام 1989 نائباً عن معان ورئيساً لمجلس النواب. وظلت الدنيا تضحك لسليمان، حتى أصبح رئيساً لمجلس النواب.. كانت المرحلة تحتاج لشخصية مثل شخصية سليمان بعد أحداث 1989، لكن التسعينات لم تبشّر بالخير، إذ كشّرت الدنيا عن أنيابها وبدأت مرحلة جديدة في الأردن تتطلب قيادات جديدة، وبدأ مؤتمر مدريد على الصعيد العام، وعلى الصعيد الخاص شهد عام 1993 كارثة شخصية لسليمان بوفاة ابنه محمد، ثم توفي شقيقه عليّ، أحبّ الناس إليه
وهكذا فقدَ سليمان أعزاء وأحباء، غلى التوالي ابنه "محمد" في عام 1993، ثم شقيقه علي، ثم والدته، فطغى الحزن على حياته. يبدو أن السنوات التالية كانت سنوات عجافاً في حياة سليمان، إذ شهدت رحيل الأحبة عن دنيانا شقيقه علي، وابنه محمد في عام 1993، وكان ذلك اليوم حداً فاصلاً في حياة سليمان الذي لم يكن عنده أي عمل يملأ به وقته ولم تكن لديه أي وظيفة تشغله سوى بعض الأعمال التجارية، لذلك كان يبحث عن أي شيء يشغله عن فراق محمد. لقد كانت حياته السياسية حينئذٍ خالية، وكانت قبل ذلك مزدحمة بالأحداث.
لقد عاش سليمان فترة السبعينات والثمانينات في انشغال حقيقي، فقد كان وزيراً للداخلية بين عاميّ 1976 و1985، وكانت مجموعته في "صدارة الحكم"، وعلى رأسها مضر بدران وأحمد عبيدات... وكانت الظروف الاقتصادية أفضل بكثير من الآن. وفي منزل سليمان، وفي المزرعة في الغور، تعرفت على معظم أصدقاء سليمان ، وكان سليمان في كل جلساته خفيف الظل ودوداً للغاية، .
.
في التسعينات الحزينه أخذت الدنيا تدير ظهرها له، وتزامَنَ ذلك مع توجه الأردن سياسياً إلى السلام، وكان "أبو محمد" في تيار معارض، وله في ذلك اجتهادات. وظهرت وجوه سياسية جديدة أخذت أدوارها على المسرح. بالإضافة إلى شخصيات سياسية قديمة كان بالإمكان أن يكون سليمان واحداً منها، ولكن خطّه كان مختلفاً.
سليمان الذي عاش في قلب الأحداث وصناعة القرار السياسي طوال السبعينات والثمانينات، تغير موقعه في التسعينات. وكان بالإمكان أن يكون في موقع واحد يناسبه هو مجلس الأعيان. كانت الفرصة سانحة عام 1996 الذي شهد أحداث الخبز في الكرك ومعان، ويومها كان لسليمان دور كبير وهو في موقع غير رسمي، وكان من القلائل أصحاب التأثير في الناس، وكانت علاقته مع عبد الكريم الكباريتي ممتازة.
كان تأثيره أكثر من تأثير النواب والأعيان والوزراء في منطقة الجنوب،
معرفتي بسليمان
كان أول لقاء جمعني بسليمان كان في صحيفة "الرأي" عام 1976، إذ زرته صبيحة أحد الأيام، وكانت الأبواب مفتوحة مشرعة، ووجدت في مكتبه علي جدوع قباعة، ولا أذكر أننا تحدثنا يومئذ حديثاً مهماً، فقد كانت زيارة تعارف لا أكثر,وكان لقاء عادياً جيداً لم يترك في نفسي أو في نفسه أي أثر .ثم زرته لاحقا في مكتبه بوزارة الداخلية وزيراً، وكان في ضيافته فواز أبو الغنم، وكنت التحقت بوزارة الخارجية بعد ان حصلت على الترتيب الأول و هذا اللقاء افضل من الاول بكثير واستقبلني سليمان بحفاوه شارك فواز فيها لاني كنت الاول في امتحان وزارة الخارجيه و زرته بعد ذلك في منزله أهنئه بحلول العيد كان في زيارته الصحفي يعقوب عويس، ، ولم تكن بيننا قضايا مشتركة حتى تصاهرنا في اذار إ، وكنت يومها أعمل في مكتب وزير الخارجية وعلى وشك الانتقال للعمل دبلوماسياً في سفارتنا بالقاهرة، وفي تلك الأيام تطورت علاقتي به خلال فترة قياسية في عام 1978 وعام1979 ، وبعدها بدأ الحوار الفكري بيننا ،
وتعرفت قي تلك الايام على شخصيات معان بالإضافة إلى سليمان، مثل محمد خليل عبد الدايم وإبراهيم كريشان وعلي مطلق الهباهبة، وكانوا أعضاء في مجلسي الأعيان والنواب، ومنذ ذلك الحين وعلاقتي مع هذه المجموعة من أبناء معان ممتازة.
وحتى ذلك الحين لم تكن علاقتي قد تطورت مع بهجت التلهوني .
ولأنّ صلة نسب ربطتني بسليمان، فهو خال بناتي _حنين وأسيل ورزان-، فقد كنا نلتقي عائلياً، فإن كانت وجهات نظرنا لم تتطابق أحياناً في بعض الأمور السياسية أو وجهات نظرنا تجاه بعض الأشخاص، فقد التقت اجتماعياً وعائلياً مائة بالمائة. وإذا كان الحديث في الشؤون الخاصة جداً وأسرار العمل مؤشراً على ثقة ومحبة، فلقد كان لي شرف تلك الثقة بالاستماع إلى شكواه، وحتى لا أبالغ أقول "وجهات نظره" في كثير من الأمور في أي لقاء خاص تسمح به الظروف.
.
كانت علاقتي بسليمان في تلك الفترة وثيقة جداً، ولكننا لم نعد نجلس ونتحدث مثلما كنا في بداية الثمانينات، ;كنا نختلف احيانا في وجهات النظر مثلا في
أواخر صيف 1983 كان جلالة الملك الراحل الحسين ينوي زيارة لمعان، وكان سليمان عرار يومها ً في المجلس الوطني الاستشاري، وأذكر أنني قلت لـ"عديلي" الشيخ خلف أبو نوير، بحضور د.عبد الله الجازي، وكانا في دعوة غداء في منزلي، إن هناك في معان مشكلتين: السيارات الشاحنات، والأراضي.
وتمنيتُ أن تحل هاتين المشاكلتين قبل زيارة الملك. اقترح الشيخ خلف أن أخبر "أبو محمد" يعني سليمان بذلك، وفي اليوم التالي حدثت "سليمان" بالموضوع ولكن دخل زائر وتعطل الحديث.
وافترقت بنا السبل ثانية وجرفتنا الحياة. فقد انشغلت بالسفر والبحوث العلميه، وضربت في الأرض طولاً وعرضاً. كنا نلتقي احيانا,. ووقفت معه يوم وفاة ابنه محمد في خريف عام 1993. وكانت تلك بداية رحلة الحزن في حياة سليمان، إذ تتالت عليه المصائب، وأخذ يفقد الأعزاء واحداً تلو الآخر. إذ رحلت والدته، ثم رحل عليّ أقرب إخوته إلى قلبه، وكان كثير الاعتماد عليه في أعمال المزرعة في بير ابن جازي
الرجوع الى الارض :
وعدت قبل إنجاز هذا الكتاب قرأت كتاب سليمان عرار "الرجوع إلى الأرض" الذي يتحدث فيه عن حياته في القاهرة بشكل رئيس ويتطرق إلى الحادث الذي جرى معه حين اختطفت طائرته. ولفت انتباهي أن الحادث وقع وهو يغادر بغداد وليس العكس، ومن المفروض أن صعود الخاطفين إلى الطائرة ;كان صعباً جداً. إنه حادث غريب، فمن يريد خطف طائره عراقية فإنه لا يفعل ذلك من قلب بغداد، بل يختار بلداً آخر.ومازال الحادث يثير الشك في نفسي
وكما ذكرت بدأت رحلة فراغ سياسي في حياة سليمان، ولم يعوضها سوى دعم حكومة الكباريتي له في موضوع مؤتمر الأحزاب العربية الذي أشغل سليمان بعض الوقت. والواقع أن عبد الكريم الكباريتي قدر لسليمان موقفه في معان تجاه أحداث هبّة الخبز (1996)، وكان لسليمان تأثير غير عادي في معان بالرغم من أنه يعيش في عمّان.
وهنا أشير أن رجالات معان في عمّان كانوا معروفين ومشهوداً لهم على مستوى الوطن كله، ومنهم بهجت التلهوني وعمر مطر وسليمان عرار ويوسف العظم، وكان نواب معان وما حولها في السبعينات كتلة واحدة مثل إبراهيم كريشان وعلي مطلق الهباهبة والعين محمد خليل عبد الدايم.. ثم بدأت تظهر شخصيات من معان وتأخذ مواقعها على الساحة التربويه مثل احمد العقايله وسالم صقر وخالد غزاوي وعبد المجيد مهدي النسعه ومحمد خليل خطاب، وفي الاقتصاد عبد الله ابو طويله وفي الجيش الشيخ عبد الله العزب اول مفت للجيش ومحمد ابراهيم خطاب وفي معان نفسها كانت زعامات محليه في عهد الاماره مثل محمود كريشان وحامد الشراري وعلي عوجان وفي قلب المدينه كانت المدينه لاتخلو في اي لحظه من رجال المجتمع المحلي لهم وزنهم الاجتماعي او العلمي مثل ابراهيم الرواد وفي قيادات المجتمع المحلي في قلب المدينه هناك العشرات من القاده المحليين من كل العشائر والافخاذ من القرامسه وابوكركي والمحاميد والحمادين والكراشين والبزايعه والفناطسه في قلب المدينه كنت تجد في الخمسينات تجد يونس ابو هلاله وسليمان ابوديه ومحمد هويمل الخطيب والعشرات من غير اي وظيفه رسميه وحتى شيوخ البادية من الجنوب كان لهم حضورهم على مستوى الوطن، ومنهم حمد بن جازي ومحمد أبو تايه.ولكن صعود سليمان كان ظاهره ملفته للانتباه
وفي العصر الذهبي لسليمان ظهرت مجموعة شبان متعلمين من محافظة معان مثل عيد دحيات وعوض خليفات لم يحققوا شيئاً من الطموح في السلطة التنفيذية إلا بدعم من سليمان وبهجت التلهوني
وتظل شخصية سليمان أقوى شخصية من الشخصيات على مستوى معان والجنوب والوطن ، وقد طغى نجمه على بقية النجوم، وكان لا ينازعه أي منازع، و تجاوز حدود الوطن في علاقاته، وكل ذلك تم في إطار حكومي، وكان لسليمان علاقة مع صدام حسين وياسر عرفات،
.
.
تفرد سليمان بكرمه في الولائم بطريقة لا تجد نظيراً لها، كان متواضعاً ولم يكن أي شخص يجد مشقة في الوصول إليه، وكان يشارك أهل معان في أفراحهم وأتراحهم، ولم يكن يجد غضاضة في أن يفتح جواز سفره لأحد أبناء معان حتى يؤكد له أن تغيّبه عن مناسبة ما كان بسبب سفره.
وبالنسبة لي لم أشارك سليمان في وجهة نظره السياسية، وفي أغلب الأوقات كانت لي آرائي المستقلة مثل رأيي في مشكلة معان قبل زيارة الملك الحسين رحمه الله في آب 1983م. وبالرغم من أن سليمان عتب علي في البداية إلا أنني لمست من عدم حديثه معي في الموضوع لاحقاً أنه أقر بوجهة نظري. وباستثناء هذا الحادث، لم أشهد في حياتي موقفاً اختلفنا فيه .رحل سليمان وظلت سيرته العاطرة في ضمائر الكثيرين وعقولهم وقلوبهم، من جبال الشراه حتى سهول حوران. ****. ما أزال أذكر الحزن الذي اجتاحني يوم مات سليمان، فقد شعرت بفراغ لم أعهده من قبل في حياتي، وكانت وفاته بالنسبة لي كارثة، وأتوقع أن الجميع خسروه.وفيما يلي المقال الذي كتبته في يوم وفاته واختم به مقدمتي:
سليمان عرار.. كنت بانتظارك
أخي أبا محمد؛ أهكذا اخترت أن تعود إلى الأرض وأرض الكنانة التي أحببتها كثيراً وتحدثت في كتابك عنها الكثير. وبعد رحيلك المفاجئ ما زلت أذكر تلك الليلة التي ودعتنا فيها وذهبت فيها إلى مصر. اليوم خطر ببالي هذا الموعد، وعادت بي الذكريات لشريط حياتك الطويل صحفياً ودبلوماسياً ووزيراً مميزاً، ولكن أهم ما فيك أنك إنسان متواضع.
رأيت غيرك كثيراً من الرجال، وظل لك قصب السبق والتميز بين الرجال في الأردن في حب الناس أكثر من غيرك. قبل أيام كنت أتحدث مع زملاء وأقول: "لو تكافأت فرص حزب "المستقبل" مع غيره من دعم حكومي لكان له شأن لوجود سليمان فيه". وقبل أسابيع وقد افتقدت اسمك من بين أعضاء مجالس أمناء الجامعات ورأيت غيابك واضحاً، عاد الى خاطري مواقفك تجاه الوطن وحب الناس لك الذي كان يظهر في كل المنابات وكانه استفتاء على حبك .
في ذلك اليوم، تتحول أم أذينة إلى ساحة استفتاء حقيقي . يأتي هذا في أيام أفراحك، أما في أيام أتراحك بوفاة حبيبيك محمد وعلي، فالأعداد أكثر.. كل مناسبة كانت استفتاء لحبك.. لم تكبر بالمناصب، بل كانت المناصب تكبر فيك.. أتذكر يوم أحداث الخبز عام 1996 وكيف كنت كبيراً وأنت في غير منصب رسمي فذهبت لتهدئة النفوس ونجحت برصيدك الكبير عند الناس، لم تنتظر مكافأة في موسم حصاد المكافآت على أمور صغيرة عند الآخرين، لن أستطيع أن أستعرض تاريخ حياتك كله، ولكن سأكتفي بما توارد لخاطري ساعة اللقاء الأخير معك أمام منزلي، فبعد أن تركتك وعدت للمنزل أحسست إحساساً غريباً لم أعرف مصدره!
وفيما بعد عرفت ان الاحساس بالفراق قد جاءني مبكرا وجاءت لحظة الفراق فعلا وكانت من اكثر اللحظات حزنا في حياتي ورحلت.. ولكن ظلت مناقبك مَعْلماً مميزاً في سيرتك العطرة، وعادت في تلك الفترة أمام ناظري كل مواقفك؛ كنت وزيراً لكل الأردنيين وكنت نائباً لكل الأردنيين، .
ومن دخل مكتبك فهو آمن، والكل راضٍ عليك، لم تؤذِ أحداً أو تكسر خاطره.. كان منزلك ومكتبك مفتوحين ولكن الأهم أن قلبك الكبير ظل مفتوحاً للجميع.
اختلفت معك في بعض المواقف، ولكن ظلت منزلتك كبيرة جداً، وعندما شعرت أن العمر يمضي وأن الحياة أصبحت هجيراً قاسياً جئتك ذات صباح وتحدثنا في شؤون الحياة ثم زرتني مرتين خلال أسبوع واحد كأنك تريد أن تودعني الوادع الأخير.. ما زالت كلماتك ترن في مسامعي، وطيفك يتراءى أمام خاطري.
ولكنك لم تأتِ يوم 15 تشرين الثاني كما وعدت، وعزائي أنني سأراك ذات يوم في وقت قد يطول أو يقصر، وعندها سأكمل حديثي الذي بدأته معك فوجدت قلبك الكبير وإنسانيتك الحقيقية الكبيرة، ولعلك الآن تسمعني يا أبا محمد وأنت بين يدي حبيبك على ومحمد اللذين أضناك فراقهما، فآثرتهما علينا، ولكن من قال لك إننا نقوى على الفراق والعمرلم يعد فيه بقية..
ستجد أخي أحمد العزيز هناك، وهو في شوق إليك، وستجد أخي الشهيد "محمودا"، ولكن شيئاً واحداً أحب أن تعرفه؛ أنني والله بكيتك أكثر منهما.. لقد عزيتني فيهما ، فمن يعزيني فيك يا أبا محمد؟!