الرئيس "النسور" في عين العاصفة
د.خليل ابوسليم
11-10-2012 05:22 PM
بصدور الإرادة الملكية السامية بتكليف دولة الدكتور عبد الله النسور بتشكيل الحكومة القادمة، تكون الحلقة قبل الأخيرة في سلسلة الإصلاحات المنشودة قد استكملت، لتبقى الحلقة الأخيرة المنوط بهذه الحكومة استكمالها، ألا وهي الانتخابات النيابية.
لأول مرة في العهد الجديد يُلاقى اختيار شخصية رئيس الوزراء بدرجة كبيرة من الارتياح لدى عموم المواطنين وذلك لعدة أسباب، أهمها انه جاء من خارج صندوق نادي رؤساء الحكومات، كما انه معروف بالجدية والنزاهة، إضافة إلى معارضته الشرسة المستندة إلى حس بالوطنية الصادقة والمسئولية الملتزمة.
هذا الاختيار سبقه العديد من الاختيارات الحاسمة والمهمة، حيث سبقها تشكيل المحكمة الدستورية، ومن قبلها الهيئة المستقلة للانتخابات، وكل ذلك يعطي مؤشرا قويا على جدية ورغبة النظام في المضي قدما بالإصلاحات للخروج بالأردن من عنق الزجاجة وان كانت بشكل تدريجي
الواضح أن الخطوات الملكية جادة في الإصلاح وماضية في تجاوز قوى الشد العكسي التي أكلت من رصيد النظام وأطاحت بهيبة الدولة وعادت بها إلى الخلف سنين عددا.
من الملاحظ أن القرارات الأخيرة استهدفت أشخاصا لم تتلوث أيديهم يوما بملف من ملفات الفساد التي صنعتها الحكومات وتعامت عنها بل وقوننتها المجالس النيابية المتعاقبة، والملاحظ أيضا أن جزءا كبيرا ممن أوكلت لهم هذه المهمات هم من رجالات السلط الأوفياء، تلك المدينة التي دأبت على رفد الأردن بالرجال الرجال، قبل أن تسقط في فخ الانكفاء على نفسها وتعيش على هامش الذكريات التي سطرها رجالها على مر العقود.
قبل التكليف بيوم كنت وبعض الأصدقاء نتساءل، لم لا يكون رئيس الوزراء القادم سلطيا، منطلقنا في ذلك لم يكن أبدا إقليميا أو جهويا، بل هو استحقاق وطني طالما نادى به أبناء السلط، في خطوة قد تعيد للمدينة اعتبارها بعد أن شهدت ظلما كبيرا وتهميشا غير مسبوق في تاريخها على أيدي الصلعان الجدد الذين زجوا ببعض أبنائها خلف القضبان تصفية لبعض الحسابات، وإقالة آخرين أكفاء من مناصبهم.
على أي حال لن أخوض في شخصية الرئيس فهي معروفة للقاصي والداني، فهو لم يسجل بحقه أي منقصة من نواقص المروءة والرجولة، كما انه ليس من ندماء الخمر وطاولات الكيف أو صفقات البزنس، كما لن أخوض في مضمون كتاب التكليف، فهو واضح وضوح الشمس في كبد السماء، حيث تضمن العديد من المحاور المهمة في شتى المجالات، ولا يمكن لحكومة بحد ذاتها أو شخص بعينه أن يصلح ما أفسده الآخرون بين عشية وضحاها، ولكنني سأقف على مبدأ الولاية العامة التي يجب على الرئيس أولا وقبل كل شيء استعادتها، لأنه بدون ذلك ستبقى الدولة فاقدة لهيبتها والمواطن لهويته.
ملف الانتخابات- ورغم معارضتنا للقانون- شائك جدا، ويشكل محطة فاصله في تاريخ الأردنيين جميعا ونقطة الفصل والوصل بين النظام وبينهم، وعليه لا بد من كف الأيدي الخفية التي ساهمت في تزوير الانتخابات سابقا، وأوصلت المغمورين والجهلاء لتبؤ منصب التشريع الأول في البلاد، لا بل أجلست بعض الأشخاص على طاولة الملك مباشرة، في الوقت الذي ما كان يحلمون فيه بالجلوس على طاولة مقهى من الدرجة العاشرة، وعليه لا بد من تذكير الرئيس بمقولته الشهيرة لدولة معروف البخيت" المخابرات العامة خلفك دولة الرئيس لا أمامك"، ومن هنا وجب على الرئيس أن يمارس ولايته الدستورية وكف الأيدي التي عبثت بأمن البلد وسلطاته المختلفة، مع ضرورة العودة بها إلى سابق عهدها الذي كانت عليه، في حماية المسيرة وتكسير المؤامرات، بدلا من الاشتغال بالسياسة وصفقات البرنس والمقاولات، وإنني أتوق إلى ذلك اليوم الذي يقدم فيه رئيس الوزراء- أي رئيس كان- استقالته إلى الملك مباشرة بدلا من استدعائه إلى الدائرة وتقديمها لدى شخص هو تحت ولايته.
أما الملف الاقتصادي، فهذا الذي جلب علينا العار والدمار، وفرّخ الفاسدين تلو الفاسدين، وبت معه ترى أناسا ما كانوا يحلمون أن يكونوا مجرد موظفين، وإذا بهم بين عشية وضحاها من أصحاب المعالي وعلية القوم وكبار المنظرين، بفضل بركة أيديهم التي طالت كل عزيز وغال على الأردنيين، وكم من مرة يا دولة الرئيس تساءلت من تحت القبة، كيف وصلنا إلى هذا الرقم من المديونية بالرغم من بيع معظم مقدرات الوطن؟ وكم من مرة طالبت بفتح العديد من ملفات الخصخصة التي شابها الفساد على أيدي ثلة من الطارئين على تاريخ الأردن.
النزاهة، الشفافية، العدالة، الحرية، المساواة، تكافؤ الفرص..... الخ، مصطلحات اندثرت، وأضحت موضع تندر كل الأردنيين وباتوا يطلقونها على مواليدهم للذكرى علهم يسترجعونها يوما ما، ولا اعتقد انه يمكن استرجاعها إلا إذا مارست ولايتك العامة، وزججت بالفاسدين خلف القضبان، واستعدت أموالنا المنهوبة من أيدي العابثين مهما علا شأنهم، وحاسبت كل المقصرين، وأطلقت العنان للحريات العامة، واعدت للمواطن هيبته وبغير ذلك لن تتمكن من إعادة هيبة الدولة، حتى لو كان معك كل أصحاب الدولة والمعالي.
دولة الرئيس، لن ننتظر مئة يوم المعهودة حتى نحكم عليك، فأنت اليوم في عين العاصفة، والسلطيون عيونهم ترنو إليك لتكون نسرا يحلق في فضاء الوطن وسماء الحق والعدل والحرية والمساواة، والأردنيون يتطلعون إليك على انك "وصفي" هذا الزمان، ولتكون كذلك أحسن اختيار طاقمك من الشرفاء، ليكونوا معينين لك لا عليك، وأنا شخصيا أراهن عليك كثيرا من خلال معرفتي وأملي بك كبيرا وبالله أكبر، وأرجو أن لا تخذلنا جميعا، فأنت آخر الرجاء، لأنك إن فعلت بغير ذلك تكون قد نعيت الأردن والأردنيين، وسنصبح أثرا بعد عين.