رؤية ملكية واضحة للحظة التاريخية
محمد حسن التل
11-10-2012 05:31 AM
كتاب التكليف للنسور .. رؤية ملكية واضحة للحظة التاريخية
جاءت مفاصل كتاب التكليف الملكي، للدكتور عبدالله النسور، كرئيس للحكومة الجديدة، لتؤكد على أن الأردن ماضٍ، في برنامج الإصلاح، وشكَّل الاختيار الملكي، للدكتور النسور رئيساً للحكومة الجديدة، انعكاساً واضحاً للرؤية الملكية، نحو هذا البرنامج، الذي بات واضح المعالم، يتقدم بشكل تصاعدي، ملتزماً بالمصلحة الوطنية العليا.
لقد أكد كتاب التكليف، أن الإصلاح، لا يكون، إلا بعملية تراكمية متصلة، وهذا ما حصل لدينا، وكانت التعديلات الدستورية، بداية مهمة وقوية، لمرحلة وضع التشريعات، التي شكلت قاعدة صلبة، لمسيرة الإصلاح، حيث كانت حزمة القوانين، التي تشرع لهذه العملية التاريخية، كقانون الانتخاب وقانون الأحزاب، وكذلك قانون الاجتماعات العامة وقانون نقابة المعلمين، ومع كل هذا، بقي الباب مشرعاً، لكل تعديل وتغيير، ولكن في المكان المناسب، وهو البرلمان القادم، باذن الله تعالى، صاحب الشرعية والولاية، على الحياة التشريعية.
لقد شكَّلت عملية الإصلاح، التي رسم ملامحها جلالة الملك، من خلال رؤية شاملة، تراعي خصوصية الاحتياجات الوطنية، وتستهدف تسريع الخطى، على دروب التطور والنمو وتعزيز الديمقراطية واستكمال مسيرة البناء، علامة بارزة، على طريق المسيرة الوطنية، منذ أن تولّى جلالته، سلطاته الدستورية.
اليوم نلمس النتائج الايجابية، لمسيرة الاصلاح الوطنية؛ فالتعديلات الدستورية انتجت محكمة دستورية وهيئة مستقلة للادارة والاشراف على الانتخابات، اضافة الى انه، ولاول مرة، يستطيع المواطن الاردني، معرفة موعد رحيل حكومة وقدوم اخرى جديدة، تماشيا مع التعديلات الدستورية، والتي اوجبت استقالة الحكومة، بعد حل مجلس النواب،حسب المادة 74 من الدستور.
تضمن كتاب التكليف السامي للحكومة، مفردات تحاكي مرحلة صعبة وظروفا وتحديات ماثلة، تستدعي تضافر كل الجهود، للارتقاء بحجم التحديات، والعمل على تجاوزها، انطلاقا من ضرورات الشراكة الوطنية، بالعمل المشترك، للدفع بالمسيرة الى الامام.
لقد جاء التركيز الملكي في كتاب التكليف السامي، وحث الحكومة الجديدة، على التصدي لانعكاسات الظروف الاقتصادية المتوقعة على المواطنين، وخاصة الفئات الفقيرة وذوي الدخل المحدود، ليؤكد أن هذا الموضوع، في أعلى درجات سُلَّم الأولوية الملكية.
إن تركيز الملك، على تحقيق اصلاحات اقتصادية ضرورية، لتحسين البيئة الاستثمارية وتذليل الصعوبات، التي تواجه المستثمرين وبذل المزيد من الجهود، لاستقطاب استثمارات، محلية وعربية وأجنبية، يأتي استمراراً للجهد الملكي، في جلب الاستثمار للمملكة، حيث أن جلالته، يعمل على أن يكون المناخ الاستثماري في الأردن، متمتعا بكثير من الميزات، التي تجعل الأردن، دولة جاذبة للاستثمار، وهو ما تنبأ به جلالة الملك مبكراً، حيث عمل على تطوير الاقتصاد الوطني وتهيئة بيئة استثمارية منافسة، على مستوى المنطقة، وإجراء إصلاحات شاملة، في المجال الاقتصادي، للقناعة التامة، بضرورة تطوير الاقتصاد الوطني وجعله أكثر تجاوباً، مع حاجات الأردن التنموية ومواجهة معدلات الفقر والبطالة، وتوجيه مكاسب التنمية، لتحسين مستوى معيشة المواطن، وذلك لا يكون، إلا من خلال تنشيط النمو بالاستثمارات.
في هذه الظروف السياسية الصعبة، التي تعصف في المنطقة، والظروف الاقتصادية الأصعب، التي يمر بها الأردن بتاريخه، يتحتم علينا جميعاً، الانشغال التام بقضايا الوطن ومصالحه العليا، ووضعها في مقدمة كل الاهتمامات والاعتبارات، وذلك بتكاتف كل الجهود، ضمن نهج تشاركي، يستهدف -كما قلنا- المصلحة الوطنية، وتحصين الوطن، ضد كل التحديات، وتعزيز المنجزات، التي حققها الأردن والبناء عليها.
ويبرز في المشهد الوطني بشكل واضح، دور الإعلام الوطني وواجبه، في تحمُّل مسؤولياته الوطنية، بأن يكون إعلاماً وطنياً بحق، يؤشر على الخلل، ولكنه في الوقت نفسه، يعظِّم الإنجاز، بعيداً عن الحبر الأسود، الذي أتعب الجميع، وكان في مرحلة من المراحل، عامل تثبيط للمسيرة الوطنية.
إن دعم الهيئة المستقلة للانتخاب، وهي الجهة التي ستتولى إدارة الانتخابات المبكرة والإشراف عليها، أحد أهم مهام الحكومة ويتصدر أولويات الحكومة الجديدة، وبالتالي؛ فإن مسؤولية هذه الحكومة الرئيسية، في هذه المرحلة التاريخية، في مسيرة الأردن، هي التأسيس، كما قال جلالة الملك، في كتاب التكليف، نقلة نوعية، في تاريخ الأردن السياسي وتحوله الديمقراطي.
ان التوجيه الملكي للحكومة بمواصلة الحوار، مع جميع شرائح المجتمع والأحزاب والقوى السياسية، لتشجيعها على المشاركة الفاعلة في الانتخابات، ترشيحاً وانتخاباً، ومن الضروري، ان تعمل الحكومة على ترجمة التوجيه الملكي، بالتفاعل وانتهاج الحوار سبيلا، لمواجهة استحقاقات المرحلة، وما تتطلبه من جميع مكونات المجتمع الاردني، واطيافه السياسية والاجتماعية والاقتصادية، العمل جميعا، ضمن نهج تشاركي مسؤول، لانجاز برامج العمل المطروحة، والتعاطي الايجابي الفاعل، مع التحديات الجوهرية، التي تلقي باستحقاقاتها، على مسيرة العمل والإنجاز، ومن المؤمل، ان يتم التعاطي مع الحوار، بقدر عالٍ من المسؤولية والشعور العميق، بأن تأمين المستقبل، مسألة ليست محصورة بالحكومة وحدها، فحسب.
إن تأكيد جلالة الملك، على أن يكون المواطن شريكاً حقيقياً، في صنع القرار، هو إشارة واضحة، أن الأردن سيشهد في المرحلة القادمة، تحولاً حقيقياً، نحو الديمقراطية الفاعلة في مجتمعنا، نحو التطور المنشود في عملية صناعة القرار، وبالتالي سيعزز هذا الوضع، منظومة النزاهة والشفافية، في إطارها العام، حيث سيكون المواطن الرقيب الأساس، على أداء المؤسسات الوطنية.
ان الرؤية الاصلاحية، تؤسس لتفعيل المشاركة الشعبية، وتعزيز دور مؤسسات المجتمع المدني، في صنع القرار، في إطار من الحرية والتعددية وسيادة القانون، ولعل التوجيه الملكي للحكومة، بالعمل على زيادة المشاركة الشعبية، في صناعة القرار، يعكس الادراك، بان ذلك شرط لنجاح كل جوانب الإصلاح، السياسية والاقتصادية والاجتماعية الأخرى.
بالنتيجة، فإن الالتفاف حول الهدف الاسمى لمسيرة بلدنا، بات مطلباً وضرورة ملحة، تفرضها المصالح الوطنية العليا، لا سيما، ونحن في مرحلة مليئة بالتحديات والتطورات، التي تستدعي استنهاض الهمم، لمواجهتها بما تستحق، من يقظة وعزم وعمل ووحدة، في كل الظروف والمراحل، لنتصدى جميعاً، لهموم الوطن والمواطن، وتقديم النموذج للعالم، بتكريس أدق معاني الالتزام بروح الشراكة الوطنية، وتحمُّل مسؤولية بناء الوطن وتقدمه وتطوره، وفق توافق وطني كبير.