عمون - حُلّ مجلس النواب السادس عشر، وصدرت إرادة ملكية دعت لانتخابات نيابية "مبكرة"، والحكومة في طريقها إلى الاستقالة إن لم تكن استقالت ليلا، ومسيرة الجمعة انتهت على خير، وظهر أن كل التجييش الذي سبقها كان عبارة عن "فستق فاضي".
ولهذا كله، دعونا ننهي سريعا مرحلة قياس عدد حضور مسيرة الجمعة ولعبة الأرقام التي عزف عليها كل فريق (من المؤكد أن صاحب القرار عرف يقينا الأعداد الحقيقية التي كانت وسط البلد يوم الجمعة بعد صلاة الظهر، ووفقا لهذا ستكون الرؤية والقياس). دعونا نخرج من كل ذلك لنقول: أما بعد،
انتهت مسيرة الجمعة بشكل حضاري إيجابي، عبّر عن ربيع أردني هادئ بكل المقاييس، وتم فيها إرسال رسائل من أصحاب المسيرة، أبرزها رفضهم لرفع سقف الشعارات إلى مستويات غير مرضية، فكان صوت المنظمين يعلو عندما يخرج شعار لا يرضيهم. وفي هذا رسالة مركزية تعبر عن موقف سياسي، من المؤكد أنه قد تمت قراءته من مركز القرار بشكل واضح.
وماذا بعد ذلك؟ نحن أمام انتخابات مقبلة، وحكومة جديدة ستتشكل خلال ساعات، ومرحلة تسجيل تنتهي يوم الاثنين المقبل، وأعداد مسجلين مريحة تدعم فكرة الذهاب إلى صناديق الاقتراع، يقابل ذلك استعصاء سياسي مزمن، يتمثل في مقاطعة أكبر كتلة سياسية (الإخوان المسلمون) للانتخابات، ويؤيدهم في موقفهم جبهات إصلاح، وأحزاب وحراكات أخرى، فضلا عن تحفظات على قانون الانتخاب الحالي ومطالبات بمزيد من التعديلات الدستورية وتعديلات على قانون الانتخاب، ومحاربة الفساد والواسطة والمحسوبية، والخروج من عباءة تعيين المحاسيب والأقارب وتعميم الوظائف العليا على كل أبناء الشعب الأردني الواحد، ومعالجة المديونية من خلال إعادة ثروات البلاد المنهوبة.
كل ما سبق وأكثر يطالب به الفريق الآخر الذي لا يرى أن البلاد بدأت فعلا تسير على طريق الإصلاح الحقيقي، ويعتقد أننا ما نزال نشتري وقتا، ونعيد نسخ تجارب سابقة.
بين ما تقوله الحكومة وبعض أجهزة الدولة الأخرى، وما يقوله المعارضون، هناك بون شاسع، وفرق كبير، وهذا يتطلب من الجهتين الإيمان بأهمية الوصول إلى منتصف الطريق لردم فجوة عدم الثقة، والدخول في حوار لتقريب وجهات النظر.
أما بعد، فنحن نريد بعد "حل" النواب، واستقالة الحكومة، والدعوة لانتخابات مبكرة، وانقضاء مسيرة الجمعة وانتهاء لعبة الأرقام، نريد الالتفات إلى الأردن الوطن، الجامع الحاضن للجميع؛ ونريد إصلاحا حقيقيا ليس أعرج، لا يستثني أحدا، يعترف بالآخر وبحقه في المعارضة، ويؤمن بحرية الرأي والفكر والمعتقد قولا وفعلا وممارسة وتطبيقا.
أما بعد، فإننا نريد إعلاما للدولة وليس للحكومة، وإعلاميين يؤمنون بالإصلاح هدفا، وبالديمقراطية موئلا، ويؤمنون بحرية التعبير والاختلاف حقا دستوريا مقدسا، ومجلسا نيابيا يشارك فيه الجميع، مجلسا له أنياب للدفاع عن الحق، وأظافر للجم كل من يتطاول على السلطة التشريعية، مجلسا يضم معارضين وموالين ووسطيين ويساريين وإسلاميين، مجلسا نخوته حب الوطن الجامع وليس حب ما دونه أيا كان، مجلسا هدفه الإصلاح وليس وضع العراقيل في الطريق، يؤمن بالمحافظة على الدستور وليس مخالفته والتعدي عليه، يعمل لخدمة الشعب والوطن، وليس لخدمة هذا أو ذاك.
أما بعد، نريد رجال دولة لهم القدرة على الوصول إلى العامل والفلاح والراعي والنجار والمتعلم، والبدوي والقروي والمدني، رجال دولة يستطيعون التحدث بلغة الجميع ويفهمون ما يقوله الجميع، نريد وزراء لا يكررون كلام من سبقهم ولا يوقعون الدولة في مآزق إقليمية ودولية ودبلوماسية.
أما بعد، فإننا نريد أن نحافظ على الأردن الوطن، أبهى وأجمل وأنقى، وعلى ربيعه أخضر، وعلى مواطنيه سالمين غانمين.
"الغد"