تقتضي أصول المخاطبات والمراسلات عدم التبسط مع الآخرين ممن لا نعرفهم شخصيا ، خاصة إن كانوا يعملون في السلك الحكومي بشقيه المدني والعسكري . ومناصب الدولة كثيرة ومتنوعة ، حتى بات من المؤكد بل المحتم مخاطبة كل موظف بلقب يناسب مكانته الوظيفية . وباتت مسميات : دولة الرئيس ، ومعالي الوزير ، وعطوفة الأمين ، وسعادة السفير.. وغيرها أمرا معروفا للجميع ، ولا يقتصر الأمر على الموظفين بل يشمل علماء المسلمين ورجال الدين المسيحي . وقد صدر أمر رسمي حكومي بإلغاء الألقاب منذ عدة عقود ، لكن تداولها لا يزال قائما . ولا أسعى لاستعراض معلوماتي بهذا الصدد بقدر ما يهمني إبراز الجذور التاريخية لأكثر الألقاب تداولا في الأوساط الأردنية .
باشا لفظ عثماني من أعلى ألقاب المدنيين والعسكريين ، وهو بالتركية الحديثة pasa ، وهو من ألقاب التشريف القديمة ، وقيل : إنه من لفظ باش التركية وتعني الرأس أو الرئيس أو الأصل وقيل : إنه من الفارسية باد شاه بمعنى الملك ، وكان اللقب يمنح لقادة الجيش أو الأسطول ، ثم لوزراء السلطان ، وكان يمنح لرتبة لواء وفريق ومشير ، وتوسع الاستعمال ليشمل كبار رجال الدولة من غير الوزراء ، وانتقل إلى بلاد الشام وشمال أفريقيا ، ولا يزال قيد التداول مدنيا حيث يتبع اسم رئيس مجلس الوزراء الأردني وعسكريا لرتبة لواء فأعلى .
أما بيك أو بك أيضا لفظ عثماني رفيع ، وهو بالتركية الحديثة bey ، ويعني اللفظ آمر وحاكم ، شاع استعماله بين الدول المغولية والتركية والعثمانية والعربية ، وقيل إن اصله صيني ، وقيل إنه من الكلمة الساسانية باغة ، وقيل : إنه كلمة تركية تعني سيد أو حكيم . ومنذ العصر الإسلامي استخدمت كلمة بك بما يقابل كلمة أمير، ويعتبر طغرل مؤسس الدولة السلجوقية عام 1058 م أول من حمل اللقب ، واصبح لقب بك في العهد العثماني يمنح كرتبة دنيا بالنسبة للقب باشا ، وشاع استعمال لقب بك (باي) في شمال أفريقيا لا سيما تونس . ويطلق الآن على الوزراء وأمناء الوزارات والمحافظين والمتصرفين ومدراء الدوائر وغيرهم ، كما يطلق أحيانا على رتبة نقيب وحتى رتبة عميد في المؤسسات الأمنية والعسكرية . ويمكن القول أن هذا اللفظ أكثر ألفاظ التعظيم والتفخيم في الأردن تداولا .
وأخيرا أفندي كلمة تركية تعني الأخ الكبير ، وقيل : لفظ تركي محرّف عن الإغريقية بمعنى سيد ، وأصبح لقبا اصطلاحيا من ألقاب التشريف يمنح للمثقفين الذين لا يحملون لقبا رسميا مثل باشا أو بك ، كما أطلق على صغار الضباط و إن أطلق على كبارهم أحيانا ، ويطلق الآن على كل موظف حكومي صغير المرتبة الوظيفية ، كما يطلق أحيانا على من هو دون رتبة نقيب .
لماذا لا نتساوى جميعا في لفظ احترام واحد هو " السيد " ليمتد من المواطن العادي وحتى " دولة " رئيس الوزراء ، فنقول : السيد رئيس الوزراء ، والسادة الوزراء ، والسيد النائب ، والسيد المحافظ ، والسيد رئيس القسم ، والمواطن السيد فلان الفلاني . من سيعجبه الإقتراح ؟ ومن لا يعجبه ؟ أخالكم سيداتي وسادتي تعرفون الجواب .
haniazizi@yahoo.com