الظروف التي نمر بها دقيقة وصعبة للغاية، والانقسام السياسي واضح في الشأنين الداخلي والخارجي، لكنّ ثمة إصرارا على تقسيم الناس إلى شياطين وملائكة، برز بكل وضوح في شكل التحريض الإعلامي على المعارضة.
وهذا لا يبشر بالخير؛ فالكل شركاء في الوطن. وقد تختلف وجهات النظر في القضايا المطروحة بين الأطراف المختلفة، سواء مؤسسات الدولة المختلفة ومن يناصرها من مختلف الأطياف الشعبية، وكذلك القوى السياسية والاجتماعية التي تقف في صف المعارضة. فهذه الأخيرة هي الأخرى جزء أساسي ومكون أصيل من مكونات المجتمع، ولها رؤيتها في الإصلاح، وتملك حق التعبير سلميا عن توجهاتها.
لكن النظر إلى هذا التيار المعارض نظرة العداء والتحشيد ضده، لا يخدمان أحدا. ونحن نعترف أن الحوار لغة لا نؤمن بها كثيرا، وهذا بدوره يؤدي إلى سوء فهم، ويعزز مقولات بأننا غير قادرين على تحليل الواقع عمليا. فليس صحيحا، من خلال ما سمعنا وشاهدنا وقرأنا، اعتبار أن المعارضة تشكل خروجا على الثوابت الأردنية، وهم بذلك الخروج يسعون إلى تهديد أمن البلد واستقراره. فالكل حريص على أمن الوطن واستقراره. والتفكير بهذه الطريقة يخيف، ويخرج عن حدود المنطق، عندما يتحول الأمر إلى معركة كسر عظم، وتحشيد وتجييش على كل من يحاول تقديم وجهة نظر مختلفة!
سيناريو التحشيد ضد أشكال التعبير السلمي والمشروع، والذي كفله الدستور، يتحول إلى عكس ذلك؛ فما هي النتائج المترتبة على هذا الشكل من التفكير؟ بالضرورة، ستكون النتائج كارثية، ونكون انتقلنا من المعارضة السلمية التي تمارس أقصى درجات ضبط النفس، إلى صراع منفلت من عقاله، يجرنا -لا قدر الله- إلى دوامة العنف التي ينبذها الجميع.
التقارير الدولية والصحفية التي تنشر على مدى الأيام الماضية تتخوف من تحول المشهد إلى عنف. لكن، هل تعي الأطراف جميعها أن مثل هذا التفكير لا يخدم أحدا، وأن تقسيم الناس لا يساعد في حل مشاكلنا العالقة.
كل أطراف المعادلة، حكومة ومعارضة، عليها أن تؤسس لخطاب جديد يخدم المصالح الوطنية، والتضييق على الناس واعتقالهم وتهديدهم لن يساهم في حل المشكلة. وهذا السلوك يؤدي إلى الغرق في دوامة الفوضى التي تطحن كل من يقترب منها. لذلك، على الدولة أن تقف، بكل أجهزتها، أمام حقيقة واحدة لا مفر منها، وهي أننا يجب أن نحمي وطننا وشعبنا ومؤسساتنا، فحجم التحريض في وسائل الإعلام لا يبشر بالخير، والإشارات التي يطلقها أنصار الفوضى، عبر التحشيد، تؤزم الأمور ولا تساهم في حلها.
تقسيم الناس إلى شياطين وملائكة، ومعارضين وموالين، يهدم حلمنا بالاستقرار والعبور إلى شاطئ الأمان بدون خسائر. لكن يبدو أن العقل النقدي البارد يغيب في لحظات الغفلة التاريخية، والتي إن لم يتنبه إليها أحد ستؤدي إلى فوضى وعنف.
jihad.almheisen@alghad.jo
الغد