لم تحقق الحكومات الأردنية الأربع، في زمن الربيع العربي كل ما كنا نأمله كمواطنين او صانع قرار، فـتأخر بعضها وترددها، زاد غضب الناس وولد الكثير من الاحتقان، مما أدى إلى الاستجابة للتغيير الذي نادى به الشارع، إلى جانب ما قام به النواب من مذكرات حجب ثقة او مشاريع حجب، والتي كانت كافية لأن تحطم أي حكومة وتلجئها إما لطلب الإقالة أو أن تُقال بفعل حدس الملك لتقدير مصلحة الدولة وضرورة استقرارها.
وثبت فعلا أن لا أحد من رؤساء الحكومات الأربع، استطاع أن يحقق مخرجا لافتا في الإصلاح السياسي، حتى أن الأعمال المنجزة، لم يدافع عنها بمنهج مؤسسي يحفظ تراكم المنجز، لا بل أن بعض الحكومات تخلت عن منجزات غيرها وتنكرت لها ونالت منها احيانا، وصرنا نسمع تبادلا في التهم بين الرؤساء بأن بعضهم ادعى أنه كان على وشك انهاء الانسداد الإصلاحي، ولكن سيف الزمان لم يمهله البقاء.
وبين غرق في الحوار ومماطلة، وعدم تلمس مدركات الشارع، كان على الملك ان يتلقط الإشارات، فكان برأي البعض هو الحكومة وهو الرئيس، ولولاه لكنا اليوم في مأزق كبير، ولكن الملك لم يكن دائما يريد التدخل، كان يحب ان يعطي للمؤسسات دورها وأن تأخذ الحكومات دورها، حتى عندما كرر رئيس أحد الحكومات طلب الاستقالة مرات عدة، لم يجبه ، وكان دائم الدعم للحكومات كي ننجز الأفضل ونتقدم في المشروع الإصلاحي نحو الأمام، وحين كان يستشعر ويحس بالتأخر كان يقبل الاستقالات أو يقيل الحكومات، في محاولة لتدارك الفوات الزمني الذي يمكن أن يحدث، ويؤخر رغائبنا الإصلاحية.
والمهم أن الظن الحسن لم يأت بنتائج مفرحة، وأضحى كل ما انجزناه من خطوات اصلاحية -وبالرغم من تدخل الملك الايجابي دائما- هو بمثابة البوابة للمرحلة الإصلاحية التي من المفترض أن تبدأ مع البرلمان المقبل، هذا في حين يرى الصديق الدكتور محمد المسفر أن الأردن وبسبب وعي الملك لضرورة الإصلاح، كان من المفترض أنه اليوم لا يدخل البوابة الإصلاحية، بل يقطف ثمارها، ويرتاح سياسيا.
وهكذا فإن البحث عن رئيس خارق أو مهم للحكومة المقبلة لم يعد شرطا لازما، فالدولة معركتها الأخيرة نزاهة الانتخابات، وهي بواسطة الهيئة المستقلة للانتخابات لغاية الآن تعمل بجدية لأجل الانتصار بالنزاهة، وبذلك لا أثر يذكر للحكومة المقبلة ما دامت موكولة لمهمة واحدة، كان يمكن أن نكون انجزناها وعبرناها لولا تلكوء الحكومات السابقة والحالية في مسألة القانون الانتخابي وفي تقدير الموقف العام منه.
الرئيس القادم في ضوء هذه الواقعية مطلوب أن يكون غير منتمي لزمن سياسي أو تجربة سياسية سابقة، فقط ليكن نظيفا من شوائب السياسة والعمل العام والروح الاتهامية بالفساد التي تطغى على الشارع، فهو وإن توفر بهذه الصفات سيكون عنصرا مساعدا لتمرير المرحلة الانتقالية ديمقراطيا، وسيساهم بإضفاء نوع من الانسجام بين جدية الهيئة المستقلة بخوض معركة النزاهة، ويضاف لها شكل الحكومة ممثلة بفريقها ورئيسها.
صحيح ان المزاج العام صعب، وثمة لغة من التشكيك والتخوين، لكن الدولة لا بدّ لها أن تمضي حتى آخر نفس في تحدي النزاهة، لأنها السبيل الوحيد لتسجيل انجاز تاريخي ديمقراطي، وهذا ما يتطلب شخصية على رأس الحكومة، تحظى بالاحترام الشعبي قبل اختبار المؤهلات. فنحن فقط نحتاج لشخصية فيها من الخصال والمزايا ما يجعلها ملزمة لنا كي نحترمها أولاً.