نخرج صباحا من بيوتنا، وفي الطريق نبحث جميعا عمّا يمكن أن يجذبنا في ما تبثه المحطات الإذاعية المحلية منتظرين برامج تشدنا وتقطع هدوء أفكارنا بصخب أفكار غيرنا.
وفيما نحن نبحث، نتوقف عند صوت أنثوي عله يحمل لنا بعض الهدوء بموضوعات ذات قيمة يتم طرحها ومناقشتها.
لكننا للأسف لا نكتشف جديدا، وفي معظم البرامج "النسائية" لا شيء سوى محاولة ملء ساعات البث بالفراغ. لا شيء سوى ثرثرات لا تغني ولا تسمن من جوع، لفتيات يطلقن على أنفسهن "مذيعات" و"إعلاميات"، يقدمن مواضيع لا ترتقي بالعقول ولا تضيف أي قيمة، عدا عن طريقة "الدلع" المتعمد في الكلام، لجذب أكبر عدد ممكن من المستمعين (باعتقادهن).
أساليب "الدلع" و"الغنج" لا تحترم، خصوصا من قبل الأنثى نفسها التي ثارت على نظريات "تسليع" المرأة، وأرادت أن تكون صورتها في الإعلام، تماما كما هي على أرض الواقع.
غير أن "عدم الرصانة"، باتت وسيلة نسبة كبيرة من "مذيعاتنا"، من أجل زيادة قاعدتهن الجماهيرية بمنظارهن، بضحك غير مسؤول، وحوار "منفر" يتم بينهن أثناء التقديم، لا يمكن للعاقل أن يخرج منه بشيء، فضلا عن المجاملات المتعمدة في كثير من الأحيان.
ولكن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، إذ حين تستمع إلى المواضيع التي تتم مناقشتها في تلك البرامج، تجد أن أكثرها في ذيل قائمة اهتمام المواطن.
وحين يركزن على قصص وحكايات حصلت معنا وتركت في وجداننا عمقا وأثرا، فإن المعالجة تكون سطحية لأنها ببساطة جاءت بمعايير أولئك "المذيعات"!!
والمدقق في الكلام و"اللكنة" الذي تتحدث به أولئك "المذيعات"، لا بدّ أن يلحظ "إيحاء غريبا"، وكأنهن يقصدن فيه خدش الحياء العام، فالقصص والمواقف التي تحدث معهن ويروينها للمستمع تحمل وراءها معاني ومغازي أكثرها لا يليق بنا وبمجتمعاتنا.
المشكلة أن هذه البرامج تقدم في أوقات يسمعها أحيانا الأطفال والمراهقون، فأي قيم سامية سيتشربها هذا الجيل ونحن نتحدث بمثل هذه الصفاقة والإسفاف والجهل، إضافة إلى تلك الإيحاءات المعيبة؟!
نحن سنبقى نبحث عن صوت وفكرة يبثان على الهواء، ويقدمان ما يثري عقولنا، فالبرامج الموجودة اليوم، معظمها لا يمكن أن يكون خيارا لنا، خصوصا أنها ابتعدت كثيرا عن رسالة الإعلام الحقيقي الذي يفترض أن يسهم في صناعة ملامح مجتمع متمدن ومتحضر بمواضيع تساهم في الارتقاء بذائقتنا.
لا أريد أن اذكر برنامجا أو مذيعا بعينه، لكن أكثرنا يعرف برامج بعينها أقصدها، وإن لم تعرفوا فبإمكانكم عمل جولة على أثير الإذاعات في الفترة الصباحية، فستجدون ما أعنيه من سطحية في الطرح وأصوات لا تنتمي إلينا، وأفكار دخيلة علينا بكل المعاني، ولا تشبه ما تشربناه في سنوات تفتح وعينا ونضجنا.
وللإنصاف، هناك إعلاميات يغذي طرحهن أفكارنا ويطورها ويرتقي بها، لكن للأسف الغث طغى على السمين، وبات صوتهن غير مسموع وغير جاذب.
بين الحالتين فرق كبير، وهو الفرق بين كلام نستفيد منه، وكلام يضرنا ويلوث ذائقتنا السمعية.
أرجوكم أعيدوا للإعلام أهدافه وأفكاره بأصوات تحترم المستمع وترتقي بذائقته ولا تخدش حياءه.
الغد