أنطلق من بيتي إلى الشوارع التي تفرغ من زحمتها – نهار الجمعة- لأن جزءاً من العمانيين عادوا إلى محافظاتهم، أو يستمتعون بنزهة خارجها، أو قضوا عطلتهم في البيت أمام شاشة التلفاز.
يذكرني سائق التاكسي بعمانيين نزلوا للتظاهر، وسط البلد، ويضع أغنية "اسمعوني" للراحلة وردة، ويسري صمت ثقيل.
"صمت" يذهب بي إلى مناكفات دائمة مع صديقي الذي يصعد – سريعاً- سلّم السلطة، فأعيّره بعدم اختياره حسب معايير الكفاءة، إنما لاعتبارات أخرى، وإن قفزه بين مواقع الحكْم يعني الخروج منها قريباً.
ردود الصديق/ المسؤول تدور دوماً حول العفة "المزورة"، التي يدعيها المحرومون من السلطة؛ إذ سرعان ما تختفي بمجرد إرضائهم بوظيفة إدارية في مؤسسات الدولة، كما أن خروجه المتوقع من منصبه، يعني إمكانية انضمامه إلى المعارضة ما يثبت نظريته كذلك.
شهوة الحكْم والعزوف عنه يمكن مقاربتها بحال فقراء البلاد وأغنيائها، ولا مكان هنا للصراع الطبقي، وفق الصديق/ مُحدَث السلطة، فمحدودي الدخل لا يعترضون على أسلوب الإثراء، في واقع الأمر، بل تحكمهم رغبة في زوال الثروة لعجزهم عن اكتسابها.
وتجنباً لحديث الحسد والانتقام، تتملكني الواقعية مؤكداً له أن مصالح المهمشين ليست مثالية، ولا أمنياتهم أيضاً.
ولمزيد من الجدال، يسوق لي حال الثقافة، مذكراً بأولئك الثرثارين الذين لا ينفكون عن الشكوى والتذمر بسبب إقصائهم من الأعطيات والمناصب والأضواء التي تغدق على مثقفي السلطة، رغم أن إلتفاتة واحدة من الأعلى كفيلة بإسكاتهم الدهر كلّه.
توجّب عليّ اعتصار ذاكرتي لأعدد له بضع كتّاب لم ينعموا بكرم السلطان، ولم يمتهنوا التشكي والتظلم، لكني آثرت غيابهم عن البازار، تقديرا لمكانتهم.
"غياب" يفرض عليّ النظر من التاكسي إلى الأرصفة الخالية، عصر الجمعة، فربما كان محرومون من السلطة وفقراء وثرثارون يخططون لثورة تمنحهم حصة في الحكْم، بينما يولم مسؤولون وأغنياء ومثقفو البلاط – في اللحظة نفسها- لصياغة شكل المحاصصة الجديدة.
mahmoud1st@hotmail.com
العرب اليوم