رسالة من القارىء النجداوي
06-10-2012 10:33 PM
عمون - بعث المواطن فيصل النجداوي رسالة على احدى المواد الاخبارية المتعلقة بتعيين عضو في المحكمة الدستورية:
حضرة صاحب الجلالة الهاشمية الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المفدى حفظه الله ورعاه السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. سائلا المولى عز شأنه أن يمتع جلالتكم بموفور الصحة والسعادة والهناء .
مولاي المعظم
مما لا شك فيه أن من يتوقون للتحدث إليك هذه الأيام كثر، ولعلك تجد في طيات هذه الرسالة لسان حال بعضهم، على الأقل.ما يدفعنا لكسر الحواجز والتوجه إليك مباشرة هو مزيج من الخوف على حال الوطن، والأمل بمقدرتك على تجاوز الصعاب. وسأسمح لنفسي فيما يأتي أن أخفف ما أمكن من عبارات التبجيل، والتي يستوجبها موقعك، و تفرضها علينا دماثة خلقك، لئلا أغرق الحديث في دوامة الخطاب العربي المألوفة.
بعد أن مضت موجة الانبهار الأولى، أمسى معظمنا مدركاً لحقيقة أن التحرك الشعبي الطابع الذي بدأ مؤخراً في تونس ليس بأقل من قيامة للعرب طال انتظارها. جوهر هذه القيامة نفاذ صبر الناس من فكرة أن يسوسها راع من الخلف ويحملها على السير في اتجاه لا يعلمه سواه، ولهفتها في المقابل لأن يؤمها إمام يقودها من المقدمة نحو طريق واضح المعالم، متفق عليه مسبقاً. ليس الأمر خبزاً ولا اقتصاداً، بل كرامة أولاً وانعدام أمل ثانياً، وطموح آخراً.
ولئن كنا نعلم جميعاً طريقنا في السياسة الخارجية، ونتفق معك حوله ونسلم لك بالقيادة فيه، فالسؤال الذي يطرحه الكثيرون هو: إلى متى يمنعنا الخوف على وحدة بلدنا من السير علناً بهذا الاتجاه فيما يتعلق بالداخل أيضاً؟ وما الذي يمنع هذا السير من أن يكون مدروساً ومنظماً ويأخذ بعين الاعتبار أفضل ما توصلت إليه أنظمة الحكم في العالم؟ وعلام نقيد أنفسنا بأصفاد الحفاظ على التوازنات، بانتظار عاصفة لا تبقي ولا تذر يمسك بزمامها أرباب الفتنة والكراسي البائدة وعصور الجاهلية؟ وإن لم يؤمنا من نحترم ونحب ونثق به وبقدراته، وهو في أوج شعبيته داخلاً وقمة نفوذه خارجاً، فمن ذا الذي يفعل؟
لقد حولت فتنة سبعينات وثمانينات القرن الماضي مؤسساتنا الوطنية، وأولها دولة المؤساسات ومعه نقاباتنا المهنية واتحاداتنا الأهلية، إلى قنوات وأدوات للحفاظ على الوضع الراهن أكثر من كونها أطراً لخلق وتوجيه دفة التطوير. ولئن كان هذا ضرورياً للحفاظ على تماسك الوطن وأمنه يوماً ما، فالذي حدث أننا ما زلنا، مذ ذاك، في بحث عما يمكّننا من تجاوز تلك المرحلة سياسياً، حتى مل منا الوضع الراهن.
فإن شكلنا مؤسسة، مثلاً، فهمنا ينحصر في الحفاظ على التوازنات هذه أو تلك، كما لو كنا في لبنان. وعلى أعضاء المؤسسة إذاً أن ينتخبوا ضعف العدد لكي "تنتقي" قيادة الشعبة منهم "الأصلح" لقيادة المؤسسة الجديدة. حسنٌ، هل من شك بعد كل هذه السنين أن ولاء أعضاء قيادة المؤسسة الجدد محصور بمن عيّنهم، لا بمن انتخبهم؟ وهل من شك بالتالي أن قيادة المؤسسة هذه مسؤولة أمام قيادة الشعبة أكثر بكثير من مسؤوليتها أمام مؤسساتها؟ ألا يبرر هذا عدم الحاجة لتغيير أسلوب الدعاية الانتخابية الحالي الهزيل والمتمركز حول الشخص ذاته، لا حول أفكاره وما يريد أن يحقق؟
أمن الصعب حقاً على من يريد النجاح في الانتخابات، على أي مستوى كانت، مؤسسة أو بلدية أو نيابية، وفرداً كان أم مجموعة أفراد، أن يصدر برنامجاً يسبقها يحدد فيه خطة عمله للفترة القادمة في كافة المجالات المطروحة، ويتم انتدابه من قبل الناس لتنفيذ هذا البرنامج، لتجدد له الثقة أو تحرمها عنه في الدورة التي تليها وفقاً لأدائه ووفائه بوعوده؟ هل نحن بعيدون حقاً عن تبني فكرة انتخاب فلان لكي يفعل كذا، بدل انتخاب فلان لأنه فلان وحسب؟وإذ نتحدث عن دولة المؤسسات، فلا شك أن فينا الكثير ممن يراه كإطار وطني جامع؛ ولكن دولة المؤسسات بحاجة لمؤسسة، هو الآخر.
ولا نظن أن من الصعوبة أن تقرر المؤسسة عجمَ عيدانه فينتخب منها فريقاً قادراً على صياغة مشروع لإعادة النظر بآليات المؤسسة وأهداف وجوده على المدى المتوسط والبعيد، ووضع ذلك موضع التطبيق، ناهيك عن وضع السياسات الحكومية الخاصة بالاستجابة للتحديات التي تواجه الأردن حالياً ومستقبلاً.
في الماضي، درس مؤسسو االدولة الواقع والتحديات بُعيد الاستقلال وقرروا برنامجه آنذاك، والذي يُعرف بالدستور. وعندما تم انتخاب نواب الشعب إلى مجلس النواب قاموا بالضغط للسير في اتجاه تطبيق بنوده. ومن يدرس هذا الدستور يجد فيه محاولة للإجابة على مشاكل الأمة والوطن في تلك الأيام، لا هذه. حسنٌ، أفلا تستحق مشاكل وطموحات وتحديات الأمة الحالية أن يجلس اصحاب القرار في الدولة فيدرسوها ويقترحوا لها حلولاً، فيبينوها للناس كبرنامج عمل متكامل، كما تعمل كل الأحزاب السياسية في العالم؟
هل ما زالت الحكومة ملزمة بتطبيق سياسة المؤسسة الاجتماعية حول الأسرة، مثلاً، والتي تنص على أن " النسل أمانة في عنق الأسرة أولاً والدولة ثانياً وعليهما العمل على تكثيره والعناية بصحته وتربيته."؟ وهل من المفيد في هذا العصر أن تبقى "المؤسسات ذات النفع العام وموارد الطبيعة الكبرى ووسائل الإنتاج الكبيرة ووسائل النقل ملكاً للأمة تديرها الدولة مباشرة ..."؟ أليس من الممكن تبني سياسة أن تقود المؤسسة الدولة نحو التنافسية التي سيستفيد منها المواطن حتماً، سعراً وجودة وخيارات؟ أليس من الممكن أن نفكر في القطاع العام من زاوية حماية المواطن من الاحتكار أولاً، بدل أن نزين للناس سياسة تحويل شركات القطاع العام المحتكرة للخدمات إلى شركات ذات طابع ربحي، على سبيل المثال؟
اسمح لي أن أنبئك، مولاي، أن فينا من يشعر أنّا لسنا ببعيدين عن هذا كثيراً، وأن كل ما ذكرنا، وغيره، ممكن التحقيق. جل ما يحتاجه الأمر هو جهد مركز تقوده أنت، ونسير فيه نحن وراءك. الأمة التي تقبع مكانها، مولاي، هي التي تضطر لشغل نفسها بالتوازنات، وأما تلك التي تسير للأمام فعزم اندفاعها نحوه يغنيها عن ذلك. والفرق بين أن تقود أنت هكذا جهد وأن يفرضه الشارع هو سنوات من القلق والخوف والفوضى.
لن أتمنى عليك لا إقالة الحكومة ولا مكافحة الفساد ولا تعديل الدستور، ولا أي أمر بعينه مهما اجتمع الناس على ضرورته أو تفرقوا؛ إذ أني أرغب، كما غيري، أن نرى الأمور تحل جملة لا تفصيلاً، وضمن سياق ما معروف البداية والنهاية، لا اعتباطاً. لكن أتمنى عليك بالمقابل، باسم كل من يوافقني الرأي، أمرين اثنين؛ أولهما أنك أنت قائد هذا البلد، هكذا نراك، فلا تدع غيرك يخطف المبادأة لئلا نفشل وتذهب ريحنا؛ وثانيهما ألا تدع من حولك يشعرون بضرورة استعجال الحلول، لئلا نقع في مشاكل يمكن تجنبها، في المدى المنظور.وكمقترح بسيط، ولست في موقع مسؤولية لأتكهن باستطاعة تحقيقه، فإن بداية الدور التشريعي القادم لمجلس النواب، قريبة كانت أم بعيدة، تبدو لنا نحن الناس موعداً معقولاً لفراغ الدولة من بلورة مشروع إعادة صياغة نفسه.
كما أن هذا الموعد يتيح الوقت الكافي، ربما، لتشكيل مؤسسة جديدة واحدة على الأقل، بعيد عن العقائد، يستطيع أي مواطن في المملكة الأردنية الهاشمية الانتساب إليه، كما هو الحال في باقي مؤسسات الدولة. ولربما يكون من المناسب خوض مرحلة انتقالية ندرس فيها بعناية، تحت قبة مجلس شعب انتقالي، دستوراً جديداً نقرر فيه برويّة ماهية بلدنا المنشودة في المستقبل، وكيفية الوصول إليها.
ما ذكرته أعلاه، وغيره، عبارة عن أفكار بسيطة قد تمر في ذهن أيّ منا. ولئن كان تسويقها أسهل بما لا يقاس من درس أسباب تحقيقها، فلا شيء مستحيل طالما نعلم ما نريد، وإلى أين نتجه. ولقد علمتني الحياة في المغترب، كما لا شك وعلمتك،أن الناس يمكن أن ترسم بشكل أو بآخر سقفاً للاختلاف ويتفقون على عدم تجاوزه.
لا شيء يدمي الفؤاد، مولاي، أكثر من أن يرى المرء أهله ينزلقون إلى مهالك عدة فيما يقف هو عاجزاً عن فعل شيئ، ويتربص بهم أكثر من طامع وشامت. وإني إذ وجدتني مندفعاً لكتابة هذه الرسالة لك في العلن، بعد أن سمعنا في الأيام القليلة الماضية مطالب علنية غربية أبعد ما تكون عن تحقيق توافق شعبي، فإنما أكتب إليك كمساهمة خجولة مني في الجهد القائم لبناء هكذا توافق وسطي فيما بيننا نحن الناس أولاً، وحولك ثانياً، تجاه ما ينبغي فعله وأولويات التحرك، لا لأني أود الإضافة لأفكار ما ظننتها تغيب عن من هو مثلك.
إن لم نلعق جرحنا سريعاً، فأي جرح جديد قد يؤدي لإفقادنا التوازن، وسيغري من يترصد ضعفنا بالتحرك أكثر وأعمق. نعلم جميعاً أن بيننا من ينفذ أوامر وخططاً تأتيه من الخارج، ولكننا نعلم أيضاً أنهم قلة وأننا كثر. ولعلهم، إن لم نعمل معاً ونتعاون سوية على تمييز الغث من السمين، زادوا. ليس في الاردن سوى أهل لنا ولك، ومن قضى منهم فإنما إخوتنا وإخوتك. فطبب جرحنا، يا مولاي، وضمده، نرجوك.
نعلم جميعاً أن الأردن آخر بلد يقف في وجه تثبيت الحيف الذي أصابنا في فلسطين، وإلى الأبد. وإن فرحتنا الحالية لا توصف، بعد أن بدأ عدونا يحسب حساب إخوتنا في مصر مرة ثانية، ولو بصمت. وإنّا كلنا أمل في أن تقود قافلتنا، كما خبرناك في السنوات القليلة الماضية، خارج رياح الخماسين هذه بأقل الخسائر.
قدنا، يا مولاي، وإلا قادنا الخوف.