التصريحات الدائمة والمتوالية من مصادر حكومية متعددة حول الدعم الحكومي للشعب المتمثل بدعم أسعار المحروقات، أو بعض السلع الضرورية، يجعل المسألة محل نقاش وحوار مستفيض عن حقيقة هذا الدعم ومضمونه الحقيقي، ومحل نقاش وحوار حول الجرأة الحكومية برفع هذا الدعم، من أجل إصلاح الخلل الاقتصادي، ومن أجل تلبية شروط صندوق النقد الدولي في تصحيح مسيرة الاقتصاد المحلي الأردني، إذ ينبغي إرساء ثقافة جديدة في هذا المجال، ووضع النقاط على الحروف، وتجلية الموضوع بشفافية.
أعتقد أنّ المسألة مقلوبة تماماً في موضوع الدعم، وعلى عكس ما يتم ايهام الشعب بهذه المنّة، التي تطرق مسامع الناس ليل نهار في كل نشرة أخبار، وفي كل تقرير اقتصادي، وفي كلّ مقابلة مع رئيس الحكومة أو وزير التخطيط أو المالية، فالمسألة التي ينبغي توضيحها أنّ الشعب هو الذي يدعم الحكومة وهو الذي يدعم الموازنة، فالموازنة في أغلبها أو كلها تعتمد على الايرادات المتحصلة من مجموع الضرائب التي يتمّ تحصيلها من جيوب المواطنين، فليس لدى الحكومة مشروعات انتاجية خارج الاستثمار في المواطن، وحتى القروض والمنح التي يُجرى التخطيط للحصول عليها، تصبح ديوناً في رقبة الشعب، ويجب أن يتكفل المواطنون سدادها وسداد فوائدها، ليست خارج جيب المواطن في نهاية المطاف.
الشعب هو الذي يتكفل مصاريف الحكومة، وهو الذي يتكفل دفع رواتب الرئيس والوزراء والموظفين الكبار والصغار، ومن صندوق الضمان الذي يشكل حصيلة مدخراتهم يتمّ الدفع لأصحاب الرواتب العالية والخرافية، وحتى المؤسسات المستقلة يتمّ تمويلها من الموازنة العامة، ولا ندري لماذا يطلق عليها وصف "مستقلة"، وليس هذا فحسب، بل إنّ الشعب يتحمّل الديون المترتبة على المؤسسات الفاشلة والعاجزة والمتعثرة، كما أنّه يتكفل تحمّل تكلفة الفساد الباهظة، إذ أنّ الشعب هو الذي يسدد عشرات الملايين المترتبة على مؤسسات أصبحت عبئا على الموازنة والمواطن.
كيف تدعم الحكومة الشعب في ظلّ هذه المعادلة، وقد عجزت عبر كلّ السنوات السابقة عن تخفيض فاتورة الطاقة على المواطن المقهور، ولم تستطع وقف التدهور في مقدراته ووقف العبث في المال العام، ولم تستطع ايجاد القطارات والحافلات الكهربائية التي تخفف عبء التنقل والمواصلات، ولم تستطع الاستثمار في الصخر الزيتي رغم أنّ الدراسات بدأت منذ أكثر من (20) سنة في هذا الموضوع، وعجزت عن استغلال الطاقة الشمسية، وعجزت عن استغلال الرياح، وعجزت عن استخراج الغاز، وليس هذا فحسب ؛ بل عمدت الحكومات إلى التفريط بالفوسفات والبوتاس بدلاً من أن تكون ملكاً للشعب.
يجب أن تتوقف الحكومات عن إطلاق مصطلح الدعم الحكومي للشعب ويجب أن يتوقف مصطلح المكارم، سواء على البعثات التعليمية أو علاج المرضى؛ لأنّ هذه الأموال كلها ملك للشعب أولاً وأخيراً وكلها جاءت من مصدر واحد هو جيب المواطن، وما يتم تحصيله من هذه الأموال يجب إعادته للشعب وفقاً لقوانين عادلة وتشريعات نزيهة شفافة، تحت رقابة شعبية صارمة.
إذا أرادت الحكومة دعم المواطن، عليها أن تقلل من شراء السيارات الفارهة لكبار رجالات الدولة، وأن تقلل من المياومات، وتقلل من الاسراف والبذخ على الحفلات والضيافة والسفر، وتقلل الهدر، وتمنع الفساد، وتعمل على استرجاع ما تمّ نهبه وسرقته من أقوات المواطنين، "ويخلف عليها وكثّر الله خيرها"، وهذا يكفي.
rohileghrb@yahoo.com
العرب اليوم