عمون - د. عامر السبايلة - هناك من يصر على تعطيل عملية الانتقال السلمي في سوريا. و يبدو واضحاً أن هناك من يعتقد بجدوى القاء اخر ما تبقى عنده من اوراق "الهجمات الارهابية و التفجيرات الدموية". الأخطر اليوم, أن فريق اعداء سوريا بدء يبحث عن مواجهة عسكرية مباشرة مع سوريا, الأمر الذي قد ينسف بلاشك كل فكرة التسوية السياسية ,على الأقل في الوقت المنظورة.
يستشعر اعداء سوريا خطر الحل السياسي في سوريا. فالتسوية تعني اولاً: فشل مشروع الاسقاط و تهشيم الدولة السورية. ثانياً: أن هذه الدول ستستعد لاستقبال هزات سياسية داخلية قد تطيح بأنظمتها السياسية ضمن سياق منطقية التحولات السياسية القادمة. من هنا يأتي الهجوم التركي على سوريا كمحاولة انقاذ لحكومة اردوغان "المضطربة" في الداخل التركي. فإعطاء المسألة بعداً وطنياً تحت مسمى "الاعتداء على تركيا" قد يخفف من لهجة الانتقادات الموجهة لاردوغان و حكومته في الداخل, خصوصاُ بعد الفشل الذريع في التعامل مع تبعات الازمة في سوريا و انعكاساتها الأمنية على تركيا.
لماذا يغذى العنف اليوم؟
وقف العنف كان المحطة الأولى التي سينطلق منها قطار التسوية السياسية في سوريا. العمل على تعطيل الوصول الى هذه المرحلة يشير ان فريق المحور المعادي لسوريا يسعى جاهداً ايضاً لوأد مهمة الابراهيمي في مهدها, بعد ان أبدى المبعوث الأممي رغبة حقيقية للوصول الى التسوية السياسية السلمية.
بصمات المطبخ الاستخباراتي السعودي في سوريا باتت واضحة في كثير من الاماكن و العمليات في سوريا. اما على الصعيد الدبلوماسي, عملت السعودية على تعطيل المضي قدما في مبادرة القاهرة -التي سعت لإيجاد حل اقليمي للازمة السورية- عبر تعمد الغياب عن الاجتماعات الامر الذي اضطر وزير الخارجية المصري ان يتهم السعودية بعرقلة مبادرة مصر و ايران و تركيا, كما جاء في صحيفة الحياة اللندنية.
القطريون من جهتهم أدركوا تماماً ان ابواب الولايات المتحدة قد صدت تماماً في وجههم. فالشق الديمقراطي لم يعد مرتاحاً للسياسة القطرية, بينما يملك الامير السعودي القوي بندر بن سلطان مفاتيح الشق الجمهوري في أميركا. من المعروف أيضاً, ان "بندر بوش" -كما يعرف في اميركا- هو شخص لا يقبل ان يشاركه احد "نجومية تصدر المشهد" لهذا لم يعد للقطريين قنوات حقيقية فعالة مع هذا الجانب. لهذا يتجه القطريون اليوم الى الدول الاوروبية و خصوصاً فرنسا و ايطاليا في محاولة لاستغلال الظروف الاقتصادية السيئة التي تمر بها دول الاتحاد الاوروبي. تتبنى السياسة القطرية –المريبة لكثير من الاوروبيين- فكرة اغداق الاستثمارات و تمويل برامج سياسية تسعى بصورتها المعلنة الى نشر الديمقراطية و الحرية في البلاد العربية, و تعمل قطر ايضاً على انقاذ الشركات الاوروبية المتعثرة, كل هذا مقابل مواقف سياسية حالية و مستقبلية ضمن سياسة بناء حلف قد يضمن الحفاظ على وجود الامارة مستقبلاً في حالة اقتنعت الولايات المتحدة ان المد الديمقراطي لابد ان يطال كل ممالك الخليج.
تركيا في المقابل تشعر بالوحدة, و بدأت تدرك فعلياً انها تورطت في سوريا لا بل أن ان تبعات الأزمة السورية ستكون خطيرة على الصعيدين: الأمني و السياسي. فالحد من الهجمات الكردية أصبح مستحيلاً, و الدخول في مشاريع التقسيم الطائفي و العرقي ستنعكس -بلا شك- على تركيا الكبرى التي ستجد ان هذا التقسيم سيطال تركيبتها الاجتماعية و الجغرافية. ببساطة, انشاء دولة علوية سيفتح الباب لانسلاخ عشرين مليون علوي يسكنون تركيا, اما انشاء دولة كردية فينذر بانسلاخ اكثر من 15 مليون كردي عن تركيا. اذاً, التورط التركي في سوريا لم يعد حتى الخروج منه آمناً. حكومة أردوغان ترى ان الامور في سوريا خرجت عن نطاق سيطرتها, و لم تعد تتحكم في مجريات الأمور في حلب, خصوصاُ مع عدم وجود رغبة خليجية لتصدر المشهد, فاللعب من وراء الكواليس هو الطريقة التي ترتاح لها الأنظمة الخليجية. لهذا فان توسيع رقعة الصراع و اعطاءه بعداً اقليمياً يعني ان تركيا قد تعيد ان احياء الصدام مع سوريا بصورة جديدة "صورة الدولة التركية" المعتدى عليها من سوريا.
اذاً, توسيع ساحة المعركة قد يعني نهاية مهمة الأبراهيمي مبكراً, او تأجيلها الى زمن طويل ضمنياً. لكن هناك من لا يدرك ان توسيع رقعة المواجهات و التغيير في شكلها قد يؤدي الى انفلات الامور في المنطقة على عدة جبهات و أصعدة. باختصار على الجميع ان يدرك ان الخيارات انحسرت, و من يقامر بتفجير الامور مجدداً يجب ان يدرك ان الأزمة لن تجنبه نيرانها, لهذا فعنوان المرحلة الحالية هو : اما الانتقال الى مؤتمر "يالطا" جديد او فليستعد الجميع لحرب يعلم الجميع أنها ستبدأ في سوريا الجريحة لكن بالتأكيد لا احد يعلم اين تكون نهايتها".