حكمة الحاكم، ونباهة المعارضة .. أ. د. محمد المجالي
04-10-2012 05:10 PM
كلنا يتطلع بشغف إلى ما سيصدر عن جلالة الملك خلال فترة وجيزة جدًا، ونرجو أن تكون حكمة الحاكم هي المسيطرة على المشهد، هم رعيته، ينظرون برغبة عارمة إلى الإصلاح، كل من زاويته وحسب ثقافته وأولوياته، ولا بد من احترام الرأي الآخر، وقد كان من منهج خلفاء الأمة الأوائل: (لا خير فيكم إن لم تقولوها، ولا خير فينا إن لم نسمعها)، بأدب الإسلام العظيم، والواجب الوطني الذي يملي على الجميع البناء لا الهدم، والتحصين لا التهوين، والأمن لا الانفلات والخوف.
ننتظر حكمة الحاكم بالإعلان عن جملة قرارات مصيرية أهمها التعهد بالإصلاحات الدستورية الناظمة للحياة البرلمانية الراقية، فما عاد مفهوم السلطة المطلقة مطاقًا، وليقف الشعب مع الملك يعاونه في تحمّل المسؤولية، فالمسألة ليست كما يفهمها ضيقو الأفق بأنها سحب صلاحيات بقدر ما هي شراكة في الحكم، والغاية هي أمن واستقرار وارتقاء وبناء، كي يكون الأردن هو الأعز والأرقى.
ننتظر من جلالته بأية صيغة ممكنة التوافق مع القوى المختلفة لإصدار قانون انتخاب يلبي الحد المعقول من الرضى، لا من أجل حزب أو جماعة، بل من أجل الوطن الذي يستحق منا الأفضل والأكمل، ولا بد من أن نطلّق تلك التخوفات والإشاعات، تارة التخوف من لون واحد في الحياة السياسية، أو من وطن بديل، ويصاحب هذا وذاك لغة التخوين والتشكيك والاتهام، وليست هناك أية مصلحة للوطن في تأليب طائفة على أخرى. وإن حصل هذا فلا بد من تأجيل الانتخابات ليتفرغ الجميع إلى واجبه وقد حصلت القناعة بالمشاركة، أن ينتخب الأفضل.
ننتظر حكمة الملك في أن يكون حازمًا ويعلن بوضوح الحرب على الفساد والمفسدين، والموضوع ليس قابلاً للمساومة، فهو ليس حقًا شخصيًا ليتم التنازل عنه، إنه حق وطن، والشعب أوعى مما يعتقد المطبطبون وربما الراقصون على الجراح، وكما لا يطمئن أي واحد من وجود لص في بيته، فالأردن هو بيتنا الكبير ولا نأمن فيه من هؤلاء اللصوص الكبار على وجه التحديد، لا بد من فضحهم واسترداد ما نهبوه، وأن يُعرّى أمرهم على رؤوس الأشهاد.
إن حكمة الملك كفيلة بإعادة النظر في اختيار الأشخاص للمهام العامة تنفيذًا ومشورة، فالمفروض أنهم أهل حل وعقد، أهل نباهة وحكمة وفطنة وبعد نظر وأمانة وصدق وخبرة، هكذا الدائرة الأولى المحيطة بالحاكم، وهي تكليف لا تشريف، هي أمانة وإلا كانت خزيًا وندامة.
وننتظر من المعارضة رشدًا ونباهة، لقد ثبت أنها أوعى من الحكومات المتعاقبة، وأكثر ولاءً وانتماءً وحرصًا على مقدرّات الوطن، وهذا لا يعني بحال أن نهوّن مما نحن فيه من حالة فريدة في وطننا العربي، حرية وحقوقًا وأمنًا واستقرارًا، أو نشكك في أن إصلاحات قد تمت بحمد الله، ولكننا نريد المزيد، وصحيح إن وجود حالة من الانفلات الحكومي والرسمي هي التي أساءت للوطن والمواطن، ولكن لا يعني هذا أن تفقدَ بوصلتُنا توجهها في الإصلاح العام، والبعد عن أية مظاهر سلبية مادية أو معنوية.
ننتظر من المعارضة الانتباه لما يحدق بالأردن من جهات ثلاث، فشمالنا نظام متأزم يود تصدير مشكلته وأزمته بأي شكل، وفينا سمّاعون له، وشرقنا نظام طائفي بغيض لا يحب استقرار الأردن وقد فشل في التبشير بمذهبه البغيض، وغربنا العدو اللدود الذي بات معكّر المزاج مع هذا الربيع العربي، حين قامت الشعوب من نومتها وغفلتها ونهضت من كبوتها، والعالم كله يسعى لإرضائها، وما تأخُّرُ الحسم في سوريا إلا لإيجاد منفذ وحل لأمن "إسرائيل" واستقرارها، وليس الأردن أقل أهمية، فلا يريدون بلدًا فيه نهضة فكرية وشعب يفهم ويطلب حقوقه، ومن هنا فإن العدو منهمك في تصدير أزمة جديدة للأردن على وجه التحديد، واللعب بأوراق الوطن البديل أو إنشاء دويلة تتحد مع الأردن كونفيدراليًا، وتنتهي القضية بأية صيغة.
مطلوب من الشعب والمعارضة كلها الالتقاء لترتيب الأولويات، والاستجابة لمبدأ الشراكة في مؤسسات الدولة كلها، إن صفت النفوس ومد الملك يده للجميع، أنْ هلمّوا لنفتح صفحة جديدة ملؤها الثقة والتعاون وتغليب مصلحة الوطن على المصالح الشخصية والحزبية، ولا نريد أسرارًا ولا أحقادًا.
وتحية خاصة لأجهزة الأمن، أنتم أهل وعي وحرقة على وضع البلد، تتعطشون لاستقرار أعمق وأرسخ، أنتم تعلمون مَواطن الخلل ومقهورون من داخلكم على ما آلت إليه أمور كثيرة وتجاوزات خطيرة رسمية أساءت للوطن، تتطلعون لأمن كامل يشمل الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية، حينها يتكاتف الجميع ويشد أحدنا عضد أخيه، ولا ترفرف في الأفق إلا راية الأردن العزيزة المهيبة، ليكون الولاء الحقيقي لا النفعي.
إنها لحظة تاريخية للأردن، يغير مسارها نحو الأفضل كلمة واحدة هي (الثقة)، فهل نغلّبها ونقدمها هذه الأيام ونرى ماذا سيكون إن تبنيناها جميعًا: الحاكم وحكومته وأجهزته، والشعب بألوانه وتنوع أفكاره وأصوله.