رغم الانتعاش الذي دب في اوصال الدولة بعد تأكيدات الملك على ان الانتخابات ستجرى في موعدها فان حالة عامة من الاحباط المشوب بالقلق تسود انحاء البلاد عنوانها سؤال :ما الذي سيحدث ؟ فالمشكلة ليست في الانتخاب ولا في قانونه ولا في ضمانات النزاهة ,المشكلة في قوائم من يستمرون في تصدر لوائح المرشحين ليكرروا نفس المصاب ,وكأن البلد اصيب بالعقم ولم تعد ماكنة انتاج النخب والقيادات الفكرية والسياسية تعمل كما كانت من قبل ,فهل تعطل خط انتاج البدائل والكوادر المؤهلة وظيفيا ووطنيا ,ام همشت واقصيت واعدمت وطنيا واجتماعيا ..!
في ظل هكذا ازمة حقيقية تزدحم الساحة بالاحزاب ,ولكنها تخلوا من القيادات الحزبية الفاعلة والافكار الحيوية القابلة للتنفيذ ,وينتاب الناس شعور عام ودائم بالفراغ وهي الحالة التي نمر بها الآن ,فبالرغم من هذا التكاثر غير الطبيعي للحراكات والمتحدثين والاحزاب يشعر الاردني انه ما من حزب لينتمي اليه ولا حاضنة فكرية تأويه ولا شخصية فذة يختارها لتتحدث باسمه , فلم نصنع منذ برلمان عام 1989 وحتى اليوم زعيما واحدا يجمع بين النجومية النيابية في عمان والوجاهة في منطقته ليكون بذلك رجل دولة يؤدي دوره ويعلم الجيل من بعده كيفية اداء الدور ,فما انتجنا ليست سوى نماذج صورية لا تستوفي شروط البرلمانات بتقاليدها المعروفة سواء بالممارسة او بالهيبة والتأثير على الحكومات وعلى مؤسسات الدولة الفاعلة ,ومن تقاليد البرلمانات ايضا انها تصنع القادة من رحم المجتمع ومكوناته ولا تستنسخهم من القوائم المعروضة في الفترينات ,مثلما انها لا تصطف وراء هذا او ذاك بل تقف الى جانبه ,والبرلمانات في كل الديمقراطيات تضع تقاليد مقدسة في المنافسة على مقدمة الصفوف من اجل ترسيخ الديمقراطية لا تقزيمها وخصخصتها لجعلها مقتصرة على اسم واحد او تيار او عائلة او عشيرة ,فالوجه المشرق لأي امة يقاس بمقدار ما انجبت وما تملك من الاسماء الكبيرة اللامعة والمؤثرة في التنمية والديمقراطية ومستوى الحريات على اختلافها وفي الثقافة والفن والرياضة وغيرها من ميادين القيم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية .
نفكر بصوت عال, وننضم لقائمة من يتساءلون هذه الايام بمرارة عن اسباب حالة العقم التي نعانينها كمجتمع وكدولة عن انجاب النخب السياسية حتى بلغنا حد العوز والحاجة للحكماء وقادة المجتمع ورجالات الدولة الذين استند الاردن على اكفهم في جميع معارك البقاء والبناء, ,ولسنا نعترض على هذه المعادلة التي تعني التداول كقاعدة اساسية للعمل والبذل والديمومة للدولة وللامة باجيألها المتتالية,ولكننا نعترض بشدة على سياسات الاقصاء والاعدام الاجتماعي والوظيفي المبكر للقيادات الوطنية ونتساءل عن خلل خطير يصيب معادلة أكثر اهمية لأنها تعني البقاء بحد ذاته ,انه الخلل الذي عطل عملية تداول الحكمة والقيادة على مستوى الدولة ككل,واصاب مدرسة الخبرة الوطنية في مقتل تعجز محاولات الاصلاح الطارئة عن مداواته ,وبنفس الوقت تحول الى حالة من القنوط عن اي رغبة في تحمل المسوؤليات الوطنية وهذا ما يفسر حالة الاستنفار على طول الوطن وعرضه لملئ الفراغات التي تركتها السياسات الخاطئة وخطايا التهميش , اما الملاحظة الاخطر فتشير الى رسم بياني يظهر مستوى التطور السياسي في البلد لنجده ينحدر نزولا منذ العام 1993 وحتى اليوم ,اما العلة ففي الغياب او التغييب وفقدان كل امل في التغيير وكل فرصة في الاصلاح ,فالواضح الجلي المثبت ان الناس تغط في سبات انعدام الثقة وعدم الرغبة في المجازفة بقرارات لا نفع منها او هكذا يعتقدون, ومرة اخرى ليس السبب في غياب الضمانات وانما في غياب الضامنين ,فلا زعامات مقنعة ولا قيادات تتبع ولا سياسيين يعتد بحكمتهم ,فراغ في كل مكان حتى في الاحزاب السياسية لا تجد المنظرين لانه ما من نظرية ولا فكرة قابلة للتطبيق ,يا لها من حالة موت سريري لنخب الدولة والمجتمع ...!