سننجحُ غداً .. وسيكونُ الأردنُّ هو الرابحُ
محمد حسن التل
04-10-2012 04:40 AM
لأنَّ الأردن دولةٌ بُنيت على التّسامح والولاء المطلق للأمَّة، والتزمت الخير طريقاً والوسطية نهجاً، سينجح غداً الأردنيون في استيعاب بعضهم، وسنخرجُ جميعاً -بإذن الله تعالى- دون خسارة، بل سنكون رابحينَ عندما نعطي صورةً حضاريةً راقيةً عن الأردن، كيف استطاع كلُّ واحد منا التعبير عن رأيه، بطريقة تُعبِّر عن إحساس الأردنيين جميعاً، بأن الأردن لكلِّ أبنائه.
غداً... ستكون الدولة بأجمل صور صبرها على أبنائها، امتداداً لصبر أجمل امتدَّ طويلا على الجميع... آلافُ المسيرات وآلافُ التجمُّعات، عبّر الناس عن أنفسهم وآرائهم من خلالها.... وتجاوزَ البعضُ الخطوط الحمراء، فلم يقابلوا إلا بالابتسامة الصابرة والحنو الطيب والعذر للجميع.
غداً... بعدَ أنْ نسعى إلى ذكر الله، ونَذَرُ الدنيا ساجدينَ راكعينَ لربِّنا الواحد الأحد، الذي ندعوه في جلالهِ أنْ يكلأ الأردنَّ بعنايتهِ ورحمتهِ، لتبقى سفينته تَمخرُ العباب بأمانٍ وثقةٍ. غداً يجب أن نكون أسوةً حسنةً وقدوةً جميلةً لكلِّ العرب من حولنا، ليرى العالم كيف يتَّسع صدرُ الدولة للجميع، وتتَّسع صدور الأردنيينَ لبعضهم من مُختلف التيّارات الفكرية والحزبيّة، ليعبروا عن آرائهم بطريقةٍ تعكس مدى حضارتهم.
غدا... سيثبتُ الأردنيونَ أنهم شعبٌ حضاري في الاتفاق والاختلاف، وسيثبتونَ للعالم كيف سيحافظون على وحدتهم وتماسكهم، وإن اختلفت آراؤهم، وكيف سيحافظون على أردنِّهم متماسكاً منيعاً ضدَّ كل الفتن السوداء.
غداً... سننحني إجلالاً واحتراماً لكلِّ رجال الأمن، على تعاملهم الحضاري مع الجميع، وكيف يحمون الأردنيينَ جميعاً، دونَ تفريقٍ بين المواقف والولاءات، فالكلُّ أردني، وهؤلاء الرجال يحمون الوطن وأبناءه على امتداد السنين، وهم الذين لم يعرفوا طعمَ الراحةِ منذ عامين، ولم يعرفوا كغيرهم معنى أنْ يكون الإنسانُ في نهاية الأسبوع بين أبنائه وأهله، عامانِ وهم يتحملون كلَّ شيء بصبرٍ متراكمٍ وهمةٍ عاليةٍ، لم يضعوا نُصبَ أعينهم إلا حماية الناسِ وممتلكاتهم.
غداً.... يجبُ ألاّ ترتفعَ إلا الأعلامُ الأردنيّة التي تعبرُ عن كلِّ الأردنيينَ، على مختلف مشاربهم، وانتماءاتهم السياسيّة، لأنّ الأردن هو الحافظة المقدَّسة لكل أبنائه، ولأنَّ العلم رمزُ الدولة، ولأنَّ الدولة لكلِّ الأردنيينَ، التي بناها آباؤنا وأجدادنا بالدم الطَّهور، والعرق المجبول بطينِ الأرضِ الطيِّبة.
غداً... يجبُ ألاّ يرتفعَ صوت نشاز يتجاوزعلى الرموز الوطنيّة، فالتجاوزُ على هذه الرموزِ ليس من السيّاسة والرجولة بشيء، بعد أنْ كبرت الدولةُ على كلِّ هذه الصغائر وسامحت كلَّ صغير على هفواته.
غداً... يجبُ أن يرى العالم أن الربيع الأردني مختلف... ربيعٌ يشدو به الأردنيون لحنَ الوفاء لوطنهم، ويصونونَ حاضرهم، مُتطلّعينَ إلى مستقبل يحمي المنجز والأجيال، بعيداً عن الانتحار الذي شاهدناه ونشاهده في دول عربيّة كانت دولا، فَخرَّبَها أبناؤها بأيديهم، وما الشَّام عنَّا ببعيد، كيف تحوَّل من حديقة كلُّها حياة إلى مقبرةٍ جماعيّةٍ بسبب الاحترابِ الأعمى.
غداً... يجبُ أنْ يرى الناس أنَّ في الأردن دولة حضارة، تستوعب كلَّ أبنائها دون تفريقٍ ودون حسابٍ للمواقف، لأنَّ الدولة أكبر من كلِّ المواقف، وهي السندُ المنيعُ للجميع، والشَّجرة الوارفة التي يلتقي تحت ظلالها كل أبنائها، والأمُّ الرؤوم لكلِّ واحدٍ منّا دون تفريق، فالأمُّ تحتضنُ أبناءها دون حسابات، وهذا سرُّ استمرار الدولة الأردنية، رغم كلِّ ما حيك ضدّها في السّر والعلن من مؤامرات، استهدفت وجودها من القريبِ والبعيدِ، على امتداد قرن من الزمان.
غداً... يجبُ أنْ تسقط كلُّ الرِّهانات المريضة، التي راهن أصحابها على جرِّ الأردن إلى واقع مأزوم، لأنَّ الأردنيين سيقولون غداً لهؤلاء: إنَّ الأردن فوق كلِّ الرهانات، وفوق كلِّ المصالح الضيقة، وفوق كل الاختلافات، سيقولُ الأردنيون غداً لهؤلاء: إننا نختلفُ من أجل الأردن، ونلتقي أيضاً من أجل الأردن ولا شيء غيره. ولأنَّ الدولة شرّعت الأبوابَ والنوافذَ جميعهاً، من أجل أن يكون الشّعب أساساً في مسيرة الإصلاح والمشاركة، في صنع القرار الذي يؤسس لمستقبل مُحصِّن للأجيال، ستسقط كل الرّهانات المزيفة، التي لا يراعي أصحابها مصلحة وطن أو مستقبل أبناء، ومهمتهم أنْ يصطادوا في الماء العكر، ويَصبُّوا الزيتَ على النار، يختبئ بعضهم وراء أقلام لا همَّ لها إلا الإثارة الرخيصة، يتنقلون من حبل إلى آخر، في النّهار مع المعارضة وفي الليل يحرضون عليها وهم يجلسون على موائد الرسميين، وما بينهما كتابة تقارير لكل سفارة يهمها الأمر، وهنا نتمنى على الحركة الإسلاميّة، وكلِّ القوى المعارضة، أنْ ينتبهوا لهؤلاء الذين يلبسون كل لبس حسب مصالحهم، وألاّ ينجرُّوا خلف مشاريعهم الصغيرةِ في الإثارةِ والشُّهرةِ والمكاسب، هؤلاء الذين يطرحون -كما قلنا سابقاً- مِن أنفسهم مرشدينَ روحيينَ للدولة والمعارضة والشّعب.
ليت الجميع يبتعدُ عن لغة التخوينِ، وعن المعادلةِ البغيضةِ التي تقول إذا كنت معي فأنت قدِّيس، وإذا كنت ضدي فأنت إبليس، هذه معادلةٌ مدمّرةٌ لأسس أي حوار، نقول هذا ونحن نرى البعض ، الذين تعبوا وأتعبوا المنابر منذ عامين، وهم يوزِّعون التُّهم يميناً ويساراً، وكلُّ من يخالفهم الرأي مطعون بوطنيَّته وبصدقه، وكأنّهم هم وحدهم يحتكرون الحقيقة، وهم وحدهم يقفون على الطريق الصحيح، ولا اعترافَ بأي إصلاح إلا إذا كان بشروطهم، نرددُ هذا ونحن ما زلنا مصرِّين ومؤمنينَ بأنَّ الحركةَ الإسلاميَّة لا تزال غنيَّة بالرجالات العقلاءِ، الذين ساهموا في حماية هذا الوطن، من كلِّ فوضى كادت أن تعصف به عبرَ العقودِ الماضية، وأنَّ الحركةَ كانت دائماً تُمثل صوت العقل للجميع، ونؤمنُ أيضاً أنَّ الحركةَ في سياقها العام، وفي أدبياتها الأساسيَّة، الوطنُ عندها مقدَّسٌ وأمنُه خطٌّ أحمر، هذا ما نؤمنُ به فلا تخذلونا يا شيوخ الإخوان، وأنتم العلماء والعقلاء، ولا تجعلوا مساحةً للدخلاء ليَنْفُذوا منها باسمكم.
غداً... يجبُ أنْ يَسودَ صوتُ العقل، ويعلو على كلِّ شيء، ويجبُ أنْ يلتقيَ كلُّ الأردنيينَ على كلمةٍ سواء، على مختلف مشاربهم الفكريَّة والسياسيّة، ليقدموا للعالم نموذجاً فريداً في التوحّد حولَ مصلحة الوطن والحفاظ عليه، بعيداً عن حسابات الاختلاف، التي يجب أنْ يتمَّ تجاوزها مقابلَ تعظيمِ مساحاتِ الاتّفاقِ، وليعذرَ بعضنا بعضاً من أجلِ الأردنِّ ليكونَ في النِّهاية هو الرابح، ونحنُ معه جميعاً بإذنِ الله.
الدستور