الخصخصة .. القمامة .. المديونية
mohammad
03-10-2012 06:50 PM
عمون - عمان التي طالما تباهت بنظافتها أصبحت تغرق اليوم في القمامة، قريبا ربما نصل إلى مستوى القاهرة !
ما الذي حدث؟ فتّشْ عن الخصخصة !
وراء نظافة عمان كان هناك أسطول من سيارات القمامة، يتم تجديده بنسبة 10 بالمئة سنويا ( سيارة القمامة تُستهلَك في 7 سنوات) ويخضع للصيانة الدورية، ويعمل، بالتالي، بطاقته الكاملة.
في العام 2007، تم تعيين أمين للعاصمة من دُعاة الخصخصة ( عمر المعاني)، فاتخذ قرارا استراتيجيا بخصخصة النظافة في عمان، أي إحالتها إلى شركة خاصة؛ بذلك، وتمهيدا لتنفيذ قرار الخصخصة، تم التوقف عن تجديد أسطول سيارات القمامة، وأُهملَتْ صيانتها، وبدأ وضع الأسطول يتدهور، سنة وراء سنة، حتى وصلنا، في العام 2012، إلى حقيقة مؤسفة هي أن 60 بالمئة من سياراته معطّلة!
عمان الآن تئن تحت 2200 طن قمامة في اليوم الواحد، غالبا ما يبقى الكثير منها في الأحياء والشوارع.
القمامة تجرّ القمامة ... وتهبط بالحس الاجتماعي الأخلاقي المدني حيال نظافة الفضاء العام. وهكذا، نلاحظ، وسنلاحظ إهمالا ولامبالاة من المواطنين، وإسهاما متصاعدا في نشر القمامة على مساحات جديدة.
ليس في الحكاية بعد جنائي. إنما الخصخصة، نهجا وتطبيقا وتخطيطا هي الجناية الكبرى.
للعلم فقط كنت واحدا من أولئك الذين تصدوا لفكرة خصخصة نظافة عمان في 2007 / 2008، وما زلت أذكر أن الأمين واجه الحملة المضادّة بالتراجع الشكلي بينما كان، في واقع الأمر، مستمرا في خطته.
الآن، تحاول الأمانة تدارك الهزيمة في المعركة مع القمامة، إلا أن تجهيز سيارات جديدة للأسطول المعطّل لا يتم بين ليلة وضحاها، وعلينا أن نتحمل الوضع القائم حتى النصف الثاني من العام 2013، حين تستلم الأمانة دفعة من سيارات القمامة الجديدة، حتى ذلك اليوم، سيكون حجم القمامة قد ازداد، وستكون القيمة المدنية للنظافة العامة قد تشوهت، مع التذكير بأن الأمانة ترزح تحت أعباء مديونية بلغت 600 مليون دينار، وهي تقف عاجزة أمام المهمات البلدية الصعبة التي تواجهها، وليس بإمكانها القيام بمبادرات على أي صعيد حتى إشعار آخر.
كيف وصلت أمانة عمان ـ الغنية والكفؤة والمبادرة ـ إلى هذا الحال؟ فتّشْ، أيضا، عن الخصخصة والأفكار الليبرالية الجديدة بين 2007 و2011.
العام 2008 تفتقت عبقرية الليبراليين الجدد عن فكرة تجميع الدوائر الحكومية في عبدون من خلال مشروع على نظام البوت؛ تقدم الأمانة الأرض لمستثمر أجنبي ( نجيب ميقاتي) يبني مجمع الدوائر ويؤجره للحكومة حتى يسترد استثماره ومصاريفه التشغيلية وأرباحه مضاعفة.
تصدى الكثيرون وقتها للمشروع غير العملي والباهظ الكلفة على خزينة الدولة التي تملك مقرات دوائرها أو تستأجرها بإيجارات معقولة. لكن المعاني واصل الخطة، فقرر استملاك أرض المجمع في عبدون، مما شكّل الكتلة الحرجة لمديونية الاستملاكات بما يقرب من 300 مليون دينار.
الليبرالية الجديدة تهوى "الدراسات" الصاروخية الكلفة، الضرورية وغير الضرورية، القابلة للتنفيذ أو المخصصة للأدراج، لكن الأمانة أنفقت، خلال ولاية المعاني، ما بين 100 و150 مليون دينار على الدراسات والمكافآت والعقود خارج النظام وخدمات شركات التوظيف إلى آخره من مستلزمات اقتصاد اللبرلة الوهمي. وربما يكون كل ذلك " قانونيا"، لكنه، في النهاية، كارثي.
أضفْ إلى المبالغ أعلاه، القرض الخاص بخط الباص السريع الذي ترقد جثته الآن على طريق الجامعة ـ صويلح، بقيمة 117 مليون دينار، وأضفْ إلى كل ذلك فوائد القروض البنكية، يمكنك، عندها، أن تكون فكرة عن كيفية سقوط الأمانة في وهدة المديونية، ذلك من دون أن نحتسب 90 مليون دينار حصلت عليها الأمانة مما يُعرَف بـ" صندوق المواقف" لديها. وهو ذو ذمة مالية مستقلة.
أنا اشتراكي .. لكنني لست ضد الخصخصة والليبرالية الجديدة لأسباب عقائدية، بل لأسباب عملية ووطنية بالأساس. كذلك، لا استبعد أن هناك ليبراليين جددا غير ملوّثين بجريمة الفساد، لكن عقلية الخصخصة نفسها هي الفساد والجريمة.العرب اليوم