تفويض آخر موديل .. وانتخاب النواب
20-11-2007 02:00 AM
قرأت في مجلة متخصصة في السيارات أن شركة ألمانية تصمم سيارة يمكنها الاصطفاف تلقائيا دون تدخل السائق، فتساءلت إن كانت السيارات ستبرمج لتسوق نفسها وركابها إلى حيث تشاء.
من درس فن التفويض يعرف أن الإنسان يفوض عمله وشأنه لإنسان مثله، ويمكنه تفويض بعض المهمات للآلات. ولكن مهما انشغلنا ومهما تعقدت حياتنا، فإن هناك أشياء لا يمكننا تفويضها. فلا أحد يستطيع أن يأكل ويحب ويحزن ويفرح ويتنفس ويتألم وينتخب وينتحب نيابة عنا. حتى النواب الذين نفوضهم لينوبوا عنا، لا نستطيع تفويضهم مستقبلنا، لأنهم لا يحضرون - جميعا - إلا جلسة البرلمان الأولى، وربما الأخيرة وهي حفلة الوداع. وأحيانا ليروا السيارات الألمانية – آخر موديل - تصطف لوحدها، وتفتح أبوابها عن بعد (بالريموت).
تفويض السيارة بالاصطفاف ليس جديدا على تفويض الناس للآلات. فالإشارة الضوئية تنوب عن رجل المرور، ومثبت السرعة ينوب عن سائق السيارة. فنحن نفوض الكثير من المهام يوميا للآلات لتقوم بأعمالنا لأنها أقل تكلفة وأكثر التزاما – أحيانا – من الموظفين وطبعا من النواب.
فأنت تفوض المنبه ليوقظك صباحا لأنه أكثر نباهة وانتباها من زوجتك ومن نائبك. وتفوض جهاز الرد الآلي باستقبال رسائلك الصوتية حيث لا أحد غيره يسمعك. لكن أطرف أنواع التفويض هو تفويض الآلات بعضها لبعض. فعندما تطلب معلومات من الإنترنت يكتشف الكمبيوتر أن ما تطلبه موجود في مكان آخر، فيفوض أمر طلبك لكمبيوتر زميل ليتولى خدمتك. إلا أن النواب والموظفين لا يفعلون ذلك. فهم يفوضون المفوض ليتملصوا أو يتخلصوا منك ومن طلباتك.
اتصل هذا اليوم بإبني، فجاءني الرد من جواله وسمعته يقول: "هذا ياسر، لا أستطيع الرد الآن، أترك رسالة مفصلة لأتصل بك لاحقا"، وبما أن صوت "ياسر" الذي لم أسمعه لأسبوع هزني فعلا، سجلت له ثلاث كلمات وقلت: "أحبك
أحبك أحبك فقط وبلا تفاصيل". فالتكنولوجيا التي برمجناها وفوضناها إدارة حياتنا لا تقبل ولا ترفض التفاصيل، فهي تنوب عنا تماما فيما نريده منها.
أجرت شركة "نوكيا" بحثا لتحديد أكثر ما يأخذه الناس معهم حين يغادرون منازلهم، فوجدتهم يحملون: (المفاتيح والمال والجوال). المفاتيح للفتح والتشغيل، والمال للشراء والبقاء، والجوال للاتصال بالبعيد والقريب. وبما أن السيارة الألمانية تصطف بنفسها، فسوف تتم برمجة الأبواب والسيارات لتفتح وتعمل بالموبايل، وقد تمت بالفعل برمجة الموبايلات لتحمل النقود وتدفعها وتحسبها. وبما أن الموبايل يرد نيابة عنا، ويكتب ويقرأ ويعرف ويعزف، وبما أنه سيصبح لكل منا رقم عالمي يحدد هوياتنا، وهو نفسه رقم جوالنا، فلماذا نتعب أنفسنا بتعلم فن التفويض. وأمام هذه المعادلة تصعب الإجابة عن السؤال: هل صارت الموبايلات نحن أم صرنا نحن هي؟. وبما أن الإجابة صعبة، فلماذا لا ننتخب رؤساء البلديات بالجوال؟ يعني: نرسل (إس إم إس) وننتخب النواب بخدمة بالايميل على (الواب).
smadi@edara.com
www.edara.com