لم تُنصف أيها الفهد ! .. أ.د. امل نصير
د. امل نصير
02-10-2012 03:43 AM
في مقاله(اعتصامات ضد الوطن) تحدث الكاتب فهد الفانك عن الظروف الاقتصادية التي يمر بها الأردن من عجز الموازنة، وارتفاع المديونية.....منتقدا اعتصام بعض الموظفين الحكوميين للحصول على مزايا مالية إضافية تكلف الخزينة ملايين الدنانير...
لا شك أن كثرة الاعتصامات باتت تؤرق الجميع، لكن السؤال المطروح: مَن الذي أوصل الوطن إلى ما نحن فيه من سوء الأحوال المالية، ودفع المواطنين إلى الاعتصامات، وتزايد حالات العنف، وتراجع هيبة الدولة؟!
من الظلم تحميل هؤلاء المعتصمين المسؤولية يا د فهد، واتهامهم بضعف الوازع الوطني سواء كنا نتفق مع أسلوبهم أم لا، فما كان لهؤلاء أن يطالبوا برفع رواتبهم لولا رؤيتهم للرواتب المتضخمة في المؤسسات المستقلة التي تحدثت أنت عن مديونتها الضخمة في مقالك دون أن تشير إلى رواتب مدرائها وموظفيها المتورمة، والميزات الإضافية التي لا تقدر عليها سوى دول النفط، مثلما لم تتحدث عن كيفة تكاثرها السرطاني في جسد الوطن، فساهمت في تآكل ميزانية الدولة، وتضخّم مديونتها، وأنتجت حالة متقدمة من ضعف العدالة الاجتماعية بين أبناء الوطن الواحد، فدق وجودها الإسفين تلو الإسفين في خاصرة الوطن؟!
وتحدثت عن إضراب عمال الميناء، لكنك لم تأت على بيع ميناء العقبة وشاطئها السياحي بمساحة 3200 دونم لشركة 'المعبر' الإماراتية, مقابل350 مليون دينار في حين أن أرضا خاصة في ذات الموقع بيعت بسعر مليون دينار للدونم، وهذه الـ 350 تتضمن كافة الرسوم والنفقات مضافا إليها تعهد الحكومة الأردنية بإزالة كل ما على الأرض من مرافق ومساكن .... بما يجعل الثمن الحقيقي المقبوض لا يتجاوز 225 مليون، فلعل عمال الميناء سمعوا عن بيع مينائهم الوحيد، وأنه لم يتبقَ لهم ولأبنائهم سوى بضع كيلو مترات من شاطئهم، فعبروا عن إحباطهم وغضبهم بالاعتصام، ومن ثم طالبوا بنصيبهم !
وإضراب موظفي شركة الكهرباء الذي ضربته مثلا آخر في مقالك، فلماذا لم تتحدث عن ملف بيعها الأسود الذي أظلم الأردن بعد تفتيتها وتقسيمها، وبيع أجزائها المهمة بعد غسلها من الديون لدبي كابتل بثمن بخس؛ بل بأقل كثيرا من أرباحها في سنتين، وتحميل الديون للمسماه بالشركة الوطنية للكهرباء التي لم يبقَ منها إلا الديون ووطنيتها؟!
إن القائمين على هذه البيوعات هم الذين تسابقوا لطعن الوطن في صدره، وفي كل أجزاء جسده، واستفادوا من قوته وضعفه لامتصاص المزيد من دمه، وليس الموظف الحكومي البسيط الذي يلهث من أجل لقمة عيشه.
وتتساءل أين الشعور الوطني والانتماء؟! وأقول لك إن الصبر الطويل الذي مارسه الأردنيون على أنفسهم عبر تاريخهم الطويل هو أحد مظاهر الشعور الوطني والانتماء الكثيرة.
وتقول يا أستاذ فهد : (إن الأردن والمنطقة العربية بأسرها تتعرض لمؤامرة خبيثة، هي الفوضى الخلاقة، وأن المتآمر الأكبر على بلدنا هو نحن ، فما نفعله بأنفسنا أسوأ مما كان أعداؤنا يتمنونه لنا؛ نحن لسنا ضحايا مؤامرة خارجية بقدر ما نحن ضحايا سوء سلوك محلي..) وهذا صحيح، ولكن السلوك المحلي الذي تتحدث عنه ليس الاعتصامات والمطالبة بزيادة الأجور، بل الفساد، وعدم توافر العدالة الاجتماعية .
وختمت مقالك بقولك: (لو نطق الأردن لقال: يا ربي ساعدني على أعدائي من أبنائي، فجراحي تنزف من طعنات أبنائي... لقد صدقت في هذه العبارة أيضا، لكن إن أعداء الأردن هم الفاسدون، والناهبون، والبائعون، والسماسرة الذين أوصلوه إلى ما نحن عليه اليوم.
إن الجوع كافر، وها هي مظاهر الكفر تتجلى في كثرة الاعتصامات، والعنف المجتمعي، والانفلات الأمني....
ألا ترى يا أستاذ فهد أنه لا يمكن للطبيب وصف الدواء دون تشخيص الداء؟! وأن مغازلة الحكومات، ومجاملتها لم يعُد علينا إلا بمزيد من البيع لمؤسسات الوطن وشركاته وأراضيه... ومزيد من الفساد المالي، والإداري، ومزيد من الاعتصامات، والمسيرات، والمظاهرات، والعنف المجتمعي؟!