غير معني بلعبة الشارع والحكْم، في هذه اللحظة السوريالية التي نعيش، أستعيد قصة "السلطان الذي اغتال نفسه" للأديب التركي المبدع عزيز نيسين.
تجسد القصة حياة سلطان شديد المكر والذكاء كان يتخفى ويختلط بالناس، وينصت إلى ما يبوحون به من أفكار.
ولاحظ مؤخراً أن إدارة الدولة قد ساءت، وبدأ الناس بالتذمر، فتخفى ليستطلع رد فعلهم، وحين نزل الشارع، سمعهم جميعاً يسبونه، ويدعون عليه بالموت.
وتعرّف إلى أسباب غضبهم، فأكثرهم لا يجد عملاً، واضطر كثيرون للهجرة طلباً للرزق، ولم يبق في البلاد سوى كبار السن والأطفال والمرضى، وشكوا غلاء الاسعار، وانتشار الفساد والرشاوى والمحسوبية.
وروى آخرون بيع ممتلكات الدولة بأرخص الأثمان، وارتفاع الدين العام، وانقطاع المياه، ورغم هذا كله لا يخجل السلطان من جباية الضرائب.
ومن شدة انسجام السلطان مع شخصيته المتخفية، انطلق بالدعاء على نفسه بأن يصاب بالعمى، حتى ظنه الناس واحداً منهم.
وفي إحدى ليالي تنكّره، دخل إلى خان فرأى بعض الشباب مجتمعين يتناقشون لإيجاد حل للتخلص من السلطان، ما دفعه للاختلاط بهم معدداً مساوئه وأخطاءه، بل اقترح عليهم أن يقلبوا نظام الحكم عبر تشكيل تنظيم سري، فوافقه المجتمعون واختاروه رئيسا للتنظيم بوصفه الأكثر ثورية وراديكالية.
ولأن العمل السري يحتاج المال، دعاهم السلطان إلى سرقة البنوك، والضغط على الأغنياء ليدعموا ثورتهم.
ومع كل حادثة سطو كان يتم ضبط بعض أعضاء التنظيم متلبسين، وتتم محاكمتهم، ما دفع الشعب للحنق على السارقين الجدد، مقابل تحريض السلطان أتباعه على القيام بمزيد من الأعمال التخريبية، وتدمير المؤسسات، وقتل كل من يخالف أفكاره.
استمرت الفوضى إلى أن اقترح السلطان فكرة اغتياله، متكفلاً بادخال الشخص المكلف بقتله إلى القصر، وفي الوقت نفسه طلب أن يُنحت تمثال له من الشمع.
ألبس السلطان تمثاله ملابسه وعمامته وأجلسه على العرش، ثم ذهب مع ثوّاره صوب القصر، ودخلوه من دون مقاومة تذكر.
وأمام التمثال انقض السلطان/ الثائر وضرب عنقه وسال دم الدجاج من داخله، وحينها أجلس الثوار رئيس تنظيمهم على العرش.
يؤكد نيسين في الختام أن هذه القصة حصلت مرة على الأقل في تاريخ كل بلد.
mahmoud1st@hotmail.com
العرب اليوم