عمون - البيانات التي تطالعنا يومياً حول وضع المالية العامة مقلقة للغاية ، وكأن الشُغل الشاغل للحكومة عقد القروض الداخلية والخارجية ، وطلب المعونات والمساعدات ، وإذا صحت الأرقام التي تطالعنا فإن الحكومة تعكف على الإقتراض بما يفوق الحاجة الفعلية للخزينة إذا كانت أرقام الموازنة هي الأرقام التي تعتمدها الحكومة ، أما إذا كان قانون الموازنة وما ورد فيه من أرقام كانت للإسترشاد فقط ، وليس لكي تتقيد بها الحكومة ، فهذا أمرٌ آخر يدعو إلى عدم إضاعة الوقت مُستقبلاً في صياغة قوانين للموازنات ، وترك الحبل على الغارب لتحصيل الضرائب والرسوم ، وعقد القروض الداخلية والخارجية والصرف بلا قيود ، ويبدو أن هذا التوصيف للسلوك الحكومي ينطبق تماماً على واقع الحال.
لقد أعلنت الحكومة ومنذ أيام قليلة أن المنح والمساعدات المرصودة في الموازنة لم يصل منها سوى 25 مليون دولار من أصل 870 مليون دينار مرصودة في موازنة الدولة كمساعدات متوقعة و 96 مليون دينار مرصودة أيضاً في موازنة المؤسسات المستقلة ، ورغم وعود الأشقاء بتقديم سريع للمساعدات فلم يصلنا سوى 250 مليون دولار من الكويت وهي ضمن 500 مليون دولار استعدت دول الخليج بتقديمها للأردن سنوياً لدعم المشاريع التي تقدمها الأردن وليس لدعم الموازنة ولمدة خمس سنوات تعويضاً عن الدعوة التي قُدمت يبدو بشكل متسرع لنا وللمغرب للإنضمام إلى مجلس التعاون الخليجي وبالتزامن مع إنتفاضة البحرين التي أخمدتها القوات الخليجية المشتركة .
لكن الملفت للنظر أن حجم سندات وأُذونات الخزينة لـ السبعة شهور الأولى من هذا العام وصلت إلى 3820 مليون دينار وبمعدل 546 مليون دينار شهرياً استخدمت لتمويل سداد سندات مستحقة ، وتمويل الموازنة العامة للحكومة والمؤسسات المستقلة وبفائض 1.213 مليون دينار أُضيفت لعجز الموازنة ليبلغ 14843 مليون دينار بنهاية شهر أيار ، بعد أن كان دينار 13402 بنهاية عام 2011 ، هذا من جانب أما في الجانب الآخر فقد عمدت الحكومة إلى إقامة حفلات توقيع إتفاقيات القروض التالية منذ بداية العام
1- قرض كويتي 50 مليون دولار .
2- قرض ياباني 156 مليون دولار .
3- قرض فرنسي 150 مليون دولار .
4- 2.06 مليار دولار قرض صندوق النقد الدولي .
5- 1.50 مليار يورو سندات باليورو أطلق عليها اسم يورو بوند على وزن جيمس بوند.
6- قرض 70 مليون دولار من صندوق النقد العربي.
كما أن البنك الدولي يدرس تقديم قرض بواقع 500 مليون دولار بهدف تمويل مشاريع صغيرة ومتوسطة ، وبذلك فإن حجم القروض المعقودة داخلياً وخارجياً يتجاوز حاجة المملكة لتغطية عجز الموازنة لهذا العام ، إلا إذا كان العجز قد وصل أرقاماً فلكية لا علم لنا بها ، هذا بالإضافة إلى 200 مليون دينار تم تخفيضها من موازنة القوات المسلحة وتبرع النواب والوزراء والأعيان بجزء من راتبهم لا يغطي رحلة واحدة من رحلات العلاقات العامة لأحدى الوفود التي دأبت هذه الجهات على تنظيمها على مدار الساعة !!.
بإختصار شديد وحيث أن الحكومة راحلة بعد أن عقدت مُجمل هذه القروض واحتفلت بموافقة الجهات المانحة على تغطيتها فإنني أُحذر الحكومة من مغبة هذا الإنفلات المالي الغير منضبط بعد أن أوقفت الحكومة السابقة وللسنة الثانية على التوالي العمل بقانون الدين العام وبعد أن بات المقرض المحلي والأجنبي يستنكف عن تغطية سندات الخزينة ، ولم تعد تغطي 10 أضعاف – 30 ضعف كما كانت ، فقد باتت تغطي بالكاد 100% من قيمة الاسناد ، كما أن معدل الفائدة ارتفع ليصل إلى 8.28% والسؤال ماذا لو طرحت سندات لم يتقدم أحد لتغطيتها ؟؟! ماذا ستفعل الحكومات القادمة وهي تسدد أقساط قروض حكومة الطراونة ؟؟! لا زالت سيارات 8000 سي سي ، وسفر الوفود ، و التوسع في التعينات ، وإقامة الحفلات ومخصصات الفخفخة والفساد والمؤسسات المستقلة (سرطانات الوطن) التي ستبقى تؤرق الموازنة العامة ؟؟!!.
ولا زالت حكوماتنا تجتهد في التعينات ورفع الأسعار وعقد القروض ورحلات العلاقات العامة ولم تتحرك قيد أنملة في طريق انجاز قانون ضريبة الدخل بما يتوافق والدستور، ولم تفطن الحكومة أنها صرفت ولغاية تاريخه 11.7 مليار دينار مايمثل 70% من المديونية وبقيت الموازنة تتزايد بنفس النسب وبما لا يتوافق وفصل واستحداث ما مجموعه 63 مؤسسة مستقلة لأبناء وبنات متنفذي الوطن كما بقي رسم التعدين للفوسفات 2 دولار للطن ما يعادل ثمن نصف كيلو شاي.