جوهر هدف "الإخوان" منع إجراء الانتخابات النيابية بأي ثمن .
تفادى نائب المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين زكي بني ارشيد الاجابة على سؤال : ماذا لو جرت الانتخابات المقبلة بنزاهة وشفافية ؟ لكنه اجاب بوضوح ولغة تحدٍ: "لن نعتبرها نزيهة وسنخرج للشارع ونطالب بحل مجلس النواب"، اذا ؛ بات الهدف واضحا ، هو كسر "الانتخابات" وهذا جوهر الصراع مع الدولة " منع اجراء الانتخابات" لانها ليست مصلحة "إخوانية" على الأقل في المرحلة الحالية.
للاسف كنا ننتظر من بني ارشيد في اللحظات الاخيرة لإغلاق باب التسجيل للانتخابات وإمكانية تمديد العملية أن يخرج علينا بخطة سياسية أو شروط قابلة للتنفيذ من أجل حل الأزمة بين الدولة و"الإخوان" وإنزال "الجماعة" عن الشجرة بعد أن علقت عليها. لكنه في حديثه لقناة (رؤيا) قطع "شعرة معاوية" وأعطى الدولة مبررات أقوى للتمسك برأيها بإجراء الانتخابات النيابية بمن حضر.
والأخطر في مقابلة بني إرشيد إشارته إلى "إدمان البقاء في الشارع" باعتبار الأخير هو مصنع التغيير والاصلاح الحقيقي قياسا على تجربة إنجاز نقابة للمعلمين، وهنا يستكمل بني إرشيد "ليس لدينا استعداد للعبة الديمقراطية من غير تعديل مواد الدستور".
ويبدو أن بني إرشيد لم يستوعب درس استلام إخوانه في التنظيم المصري صاحبة السلطة هناك والفكرة تقول إن الاقامة في المعارضة شيء والاقامة في الحكم شيء آخر، وهناك دليل على "رؤية " الإخوان المصريين وتصرفهم "الواقعي" بعد أن أصبحوا في السلطة، وهذا الكلام لا ينطبق على العلاقات الداخلية بل على العلاقة مع إسرائيل التي لم تَقدِر السلطة المصرية الجديدة تأخير إرسال سفيرها إلى تل أبيب يوما واحدا، بينما سفير الاردن لم يذهب الى اسرائيل منذ اكثر من سنتين.
ليس المهم أن يرفع حزب أو مجموعة شعارا أو مطلبا سياسيا ويصران عليه بل الأصل أن يكون ذلك الشعار يلقى قبولا شعبيا يمكن ان يفرض على النظام السياسي التعامل معه لكن للاسف ان طلب الاخوان بتعديل قانون الانتخاب بما يضمن لهم الاغلبية البرلمانية الفورية ليس مقبولا لدى الاردنيين الذين يمكن أن يقبلوا مثلا بصوتين للدائرة، لكن لا يقبلون بثلاثة اصوات أو أكثر وهي وصفة تعني حيازة إخوانية فورية واستملاك بقوة القانون لمجلس النواب المقبل.
يعرف الجميع ان مربط الفرس ليس قانون الانتخاب، بل هو الصراع على الحكم في الاردن لا الشراكة فيه وهو ما يحاول "بعض الاخوان" الوصول اليه او خطفه "بقوة دفع الشوارع" وباسرع الطرق و تحت شعارات العدالة وحق الشعب ومن خلال فرض تعديلات دستورية تقلص صلاحيات الملك في الدستور، وهي فكرة غير مقبولة شعبيا ، خاصة في ظل هذه الظروف الاستثنائية السائدة في المنطقة والتي لا نعرف الى اين تأخذنا.
وقد كان جلالة الملك واضحا في طرح الافكار التي تلامس مطالب "الاخوان" فهو منذ شهرين يتحدث عن البرلمان الجديد الذي ستتشكل منه حكومات تستمر اربع سنوات بحماية الاغلبية البرلمانية، ويكون من مهمات البرلمان الجديد دراسة كل التشريعات التي تحتاج الى اعادة نظر، اي انتقال تدريجي يبني ولا يهدم.
ويجب ان لا يتوهم هذا الطرف السياسي او الحزبي انه هو "الحاكم بامر الله" وينسى الشعب الاردني الذي يعرف طريقه جيدا ويعرف ان معضلته الاساسية هي اقتصادية بامتياز وليست سياسية، وهو بذلك يحتاج الى اقتصاديين ومخططين واصحاب رؤى مستقبلية لا الى سياسيين وبيانات حزبية فقط ، وخير دليل على ذلك ان 1 % من الاردنيين الذين لا يرغبون في المشاركة بالانتخابات النيابية المقبلة عزوا قرارهم الى موقفهم من قانون الانتخاب.
الديمقراطية ليست عملية انتقال اوتوماتيكية بل هي عملية تدريجية تحتاج الى بناء قاعدة قانونية واقتصادية سياسية وثقافية من اجل ضمان الاستمرار والتطور فليس خيرا ان ننتقل من استبداد نظام سياسي الى استبداد الفكرة او الحزب، بل نريد ضمانات حتى لا يتعدى اي طرف على حقوق الآخرين.
nghishano@yahoo.com
العرب اليوم