في عجالة..
ليس من مصلحة أي طرف أن يتسبب بما يعكر صفو مسيرة وسط البلد الجمعة المقبلة، لا للحكم وأذرعه مصلحة، ولا للحركة الإسلامية ومن تحالف معها مصلحة، لأن في حدوث ذلك ما يعكر الصفو وبالتالي في المحصلة خسارة محققة للوطن وكل مكوناته.
هذه حقيقة تدركها الدولة الرسمية تماما، كما يدركها الإخوان المسلمون، وكل ما نراه من ترهيب وترغيب، ليس إلاّ حرب نفسية هدفها ثني الإرادات عن الذهاب في المسار بعيدا من دون تفاهمات ذات قيمة يريدها كل طرف أقرب إلى فهمه ورؤيته.
أي أن الترهيب والترغيب يسعى إلى التأثير في قواعد اللعبة السياسية التي حكمت علاقة الحكم بالإخوان طيلة السنوات العشر الأخيرة، وبشكل أعمق منذ ولادة الحراك الأردني في السنتين الأخيرتين، وفيه دخل الحراك الشعبي ليكون شريكا في اللعبة مع قوى معارضة حزبية تفردت بها لسنوات.
وما من خيار غير المراهنة على حكمة الطرفين في تمرير المسيرة المركزية للإخوان من دون احتكاكات يمكن، لا قدر الله إن وقعت، ان تنقلنا إلى مستوى لا تحمد عقباه، وتؤسس لواقع وطني صعب تسيطر عليه فوضى غير متحكم بها.
وعلى الدولة أن تتذكر للإخوان المسلمين تاريخهم الطويل، منذ التأسيس ولغاية اللحظة، وتستحضر مواقفهم المساندة للنظام، بوصفهم جزءا منه لا خارج عليه، في مفاصل كثيرة وكبيرة مر بها الوطن ونجا منها بفضل وعي كل قواه المؤيدة والمعارضة.
وتتذكر لهم (الإخوان) أنهم لطالما تفاوضوا مع الدولة الرسمية على الخطوط المسموحة، وغير المسموحة، ولم يسجل عليهم يوما أنهم خرجوا عن المسار العام الذي تفاهموا عليه، وهذه حقائق مثبتة لا تخطئها العين الموضوعية عندما تراجع وثائق التاريخ.
وعندما نقول على الدولة أن تتذكر للإسلاميين، جماعة وجبهة، مواقفها الوطنية، فعلى الإخوان أيضا أن يتذكروا للدولة أنها احتضنتهم عبر تاريخها الطويلة، وحمتهم وتحالفت معهم في غير مفصل، وحتى عندما أخطأت الدولة في حساباتها، ونالت من الإسلاميين في غير انتخابات نيابية وبلدية، لم يكن ذلك ليدفع الدولة إلى قطع شعرة معاوية.
وعلى الدولة الرسمية أن لا تعتبر مسيرة الإخوان تحد لها أو أنها فعالية تدخل في باب "المكاسرة" وفرض الإرادات بقدر ما هي مناسبة كاشفة لضرورة التفهم والتفاهم، واستخدام العقل، والتفكير الموضوعي بشكل أعمق، ومن الطرفين لا من طرف واحد، وتوظيفهما توظيفا صحيحا للخلاص.
وأولى خطوات ذلك أن نضع مسيرة الجمعة في دائرة الفعل الديمقراطي، لا أكثر ولا أقل، وأن نحميها من أي تجاوز يقدم عليه أي طرف هدفه نقلنا من مستوى تفاعل أمني سياسي إلى مستوى أمني خالص واسع الأكلاف، وإن كان الخروج من المأزق سبيله إبقاء الأمر برمته في البعد السياسي دون سواه.
وهو ما يحتم على الحكم والإخوان أن لا يبقيا علاقتهم رهينة بيد تداعيات "الربيع العربي" في غير دولة عربية، وعليهما أن يدركا أن في الوطن مكونات سياسية أخرى الأصل أنها شريكة في صناعة المستقبل، وأن المنتهى الطبيعي المفترض لحالتنا السياسية تفاهمات ومقاربات واقعية تنهي حالة الأنسداد و تنتج حلا لا أزمات.
في الأوقات الصعبة على كل الأطراف أن تستحضر الإيجابيات لا السلبيات، لتهدئة النفوس وتقريب وجهات النظر وإنتاج مقاربات من شأنها أن تخلق بيئة سياسية مناسبة لتفاهمات عميقة تجنبها الأسوأ، وتفتح آفاقا رحبة لإصلاحات جدية وعميقة تستفيد منها كل المكونات الوطنية دون استثناء لأي مكون.