الزعاترة : عزوف فئة عن التسجيل للتأكيد على حق العودة ..
ياسر زعاتره
30-09-2012 04:32 AM
** من ارتفعت أصواتهم بين حين وآخر تطالب بالحقوق السياسية لم يكونوا معبرين عنها ..
عمون - رأى الكاتب ياسر الزعاترة أن العزوف عن التسجيل للانتخابات من قبل الاردنيين من أصل فلسطيني لا يبدو تعبيراً عن الاحتجاج على ضآلة التمثيل البرلماني كما يمكن للبعض أن يتصور، لاسيما بعد أن نزل في البرلمان الحالي إلى 12 في المئة، ولن يزيد في البرلمان القادم إن لم ينقص - وفق تقديراته -.
وقال في مقالة نشرها في يومية الدستور صباح الاحد أنه منذ سنوات بعيدة لم يلتفت أبناء هذه الفئة لما يتجاوز الحقوق المدنية ، ولم يكونوا يوما دعاة محاصصة سياسية، فضلا عن أن يكونوا دعاة توطين أو وطن بديل.
وذكر أن من ارتفعت أصواتهم بين حين وآخر تطالب بالحقوق السياسية لم يكونوا معبرين عنها، وبعضهم يوم كانوا في المواقع التنفيذية لم يكونوا قريبين منها ومن هواجسها.
وبرر الزعاترة العزوف في مقالته التي حملت عنوان "كلام حول الانتخابات والمحاصصة والتوطين بالقول " في جوهره تأكيد على أن مسألة التحرير والعودة لم تغادر أبداً وعي هذه الفئة رغم توالي العقود، بدليل أن مشاركتهم في أي نشاط ذي صلة بقضيتهم الأولى لا يزال أكبر بكثير من أي نشاط آخر".
وشدد القول على أن هذه الفئة لا تعيش هاجس التمثيل السياسي، بقدر عنايتها بالحقوق المدنية (دون المس بجواز السفر لأغراض تسهيل الحركة)، لاسيما أن الربط بين التمثيل البرلماني والحقوق المدنية لا يبدو شرطا بالضرورة.
وتالياً نص المقالة :
يلفت البعض الانتباه إلى أن التسجيل للانتخابات في مناطق الكثافة السكانية في المملكة يبدو متواضعا رغم أن أعدادا من الراغبين بالترشح ما زالوا يقومون بدور كبير من أجل تسجيل الناس في مناطقهم، ورغم الحشد الرسمي غير المسبوق الذي يدفع الناس دفعا للتسجيل من أجل تجاوز الرقم المطلوب في محاولة للقول إن دعوات المقاطعة لا قيمة لها، وإن الناس مقتنعون بأن الانتخابات القادمة وفق القانون (الجديد القديم) ستكون محطة في اتجاه الإصلاح.
ومع أن بعض التسجيل في المناطق الأخرى يأتي نتاج العلاقات الأسرية والعشائرية، فإن العزوف في مناطق الكثافة المشار إليها لا يبدو ذا صلة كبيرة بدعوات المقاطعة، مع أن أحدا لا ينكر أن مشاركة الإخوان سترفع النسبة بشكل لا بأس به عبر قيام عناصرهم بتشجيع الناس على التسجيل.
كان لافتا، وربما مثيرا أن أكثر الناس ضجيجا فيما يتعلق بالتوطين والوطن البديل لم يجدوا حرجا البتة في دعوة هذه الفئة (الأردنيين من أصل فلسطيني) للتسجيل للانتخابات، وبالطبع نكاية بالإخوان المسلمين، ما يعكس حقيقة دوافعهم الحقيقية.
الأسوأ بالطبع أن لا يجد أولئك حرجا في دفع بعض المحسوبين على حركة فتح للقيام بتحركات هنا وهناك من أجل حث الناس على التسجيل للانتخابات، بينما نعرف موقفهم المقابل على سبيل المثال من حركة حماس، وكل ذلك في سياق من النكاية مع جماعة الإخوان لذات الدوافع إياها.
والحال أن العزوف عن التسجيل للانتخابات لا يبدو تعبيرا عن الاحتجاج على ضآلة التمثيل البرلماني كما يمكن للبعض أن يتصور، لاسيما بعد أن نزل في البرلمان الحالي إلى 12 في المئة، ولن يزيد في البرلمان القادم إن لم ينقص.
منذ سنوات بعيدة لم يلتفت أبناء هذه الفئة لما يتجاوز الحقوق المدنية، ولم يكونوا يوما دعاة محاصصة سياسية، فضلا عن أن يكونوا دعاة توطين أو وطن بديل، ومن ارتفعت أصواتهم بين حين وآخر تطالب بالحقوق السياسية لم يكونوا معبرين عنها، وبعضهم يوم كانوا في المواقع التنفيذية لم يكونوا قريبين منها ومن هواجسها.
إن هذا العزوف هو في جوهره تأكيد على أن مسألة التحرير والعودة لم تغادر أبدا وعي هذه الفئة رغم توالي العقود، بدليل أن مشاركتهم في أي نشاط ذي صلة بقضيتهم الأولى لا يزال أكبر بكثير من أي نشاط آخر.
كل ذلك لا يشكك في انتمائهم للأردن إلا في عقل أناس يعتقدون أن الانتماء يستدعي بالضرورة ذوبان الهوية، من دون أن يدركوا أن ثمة دولا في أوروبا تتشكل من عدة قوميات ويتحدث الناس فيها أكثر من لغة (سويسرا، بلجيكا مثالا)، مع أن الحال هنا مختلف تماما إذا أخذت العروبة والإسلام كعنوان يجمعنا بعيدا عن محددات سايكس بيكو التي يُراد تقديسها في زمن القطرية .
إن المسألة التي نحن بصددها تتجاوز قضية الانتخابات إلى مجمل التعاطي السياسي مع هذه الفئة، وإن فضحت القضية المذكورة حقيقة نوايا البعض من وراء فزعات التوطين والوطن البديل التي يطلقونها دون توقف منذ سنوات طويلة، معطوفة على كشف مؤامرات كثيرة يتبين دائما أنها محض هراء لا أكثر.
نقول ذلك كله في سياق من التأكيد على أن الفئة المشار إليها لا تعيش هاجس التمثيل السياسي، بقدر عنايتها بالحقوق المدنية (دون المس بجواز السفر لأغراض تسهيل الحركة)، لاسيما أن الربط بين التمثيل البرلماني والحقوق المدنية لا يبدو شرطا بالضرورة، بل ربما فاقمت دعوات المحاصصة مشاكل التمييز تبعا لتخوف الطرف الآخر من تداعياتها، مع أن التمييز قد يطال مختلف الفئات إذا لم تغلق أبوابه بالقوانين الواضحة والرقابة الصارمة، وقبل ذلك الإرادة الحقيقية.
لو كانت منظمة التحرير الفلسطينية بعافيتها وتمثل جميع الفلسطينيين بالفعل لطالب اللاجئون في كل الدول بأن يكونوا جزءا منها ويشاركوا في انتخاباتها، ولما اكتفوا بالمطالبة بحق العودة فقط (يعلم الجميع أن لا عودة من دون تحرير)، بل بحقهم العمل الواضح لقضيتهم بدعم من جميع أشقائهم العرب في مواجهة الاحتلال الصهيوني، ومن ثم دعم خيار المقاومة في الساحة الفلسطينية، بوصفه الوحيد القادر على إنجاز التحرير وإتاحة العودة الحقيقية.
إن فلسطين ليست صحراءً سيُفرض على الناس العودة إليها، بل هي الأرض التي اقتتل العالم عليها طوال قرون. وهي بلد صغير يمكنه العيش برفاه من السياحة وحدها، فكيف وقد اكتشف الغاز في بحره على نحو يكفي أجيالا ويدر دخولا ضخمة؟ نقول ذلك رغم قناعتنا بأن الوحدة هي قدر هذه الأمة، وإن على نحو تدريجي.
المشكلة أن المسار المذكور لا يبدو ممكنا في ظل الأوضاع القائمة لأسباب لا صلة لهذه الفئة بها، بقدر صلتها بالحاجة إلى تغييرات في بنية النظام العربي برمته بحيث يتبنى بكل قوة ووضوح مقاومة الشعب الفلسطيني من أجل تحرير وطنه.