لا أظن بأنّ المبرّرات التي قدّمها قادة من جماعة الإخوان مقنعة في رفضهم لمبادرة رئيس الوزراء الأسبق فيصل الفايز، الذي عرض عليهم زيادة صوت للناخب على مستوى المحافظة (صوت لكل محافظة؛ إما إضافية أو تؤخذ من أصوات الدوائر الصغيرة)، بالإضافة إلى عدد مقاعد في مجلس الأعيان يساوي نصف ما يحصلون عليه في النواب.
جواب الإخوان كان غريباً حقّاً؛ إذ قالوا إنّنا لم نتلق عرضاً رسمياً، وإنّ المبادرات السابقة جميعها ليست مكتملة! وهي حجّة هشّة، فلا نتوقع من شخصية مثل فيصل الفايز، وهو المقرب جداً من القصر، أن يقدّم هذا العرض غير التقليدي من دون وجود "ضوء أخضر" لذلك، وهم يعرفون أنّ قبولهم بوساطة الفايز كان سينتهي إلى الالتقاء بالملك لدعم هذه الخطوة.
حتى لو فرضنا - جدلاً- أنّ الفايز لم يتلق ضوءاً أخضر، وأنّه اجتهاد شخصي، فإنّ موافقة الإخوان كانت ستدعم موقفهم، وتؤكّد أنّ الطرف الآخر هو المعاند، وغير المعني بإنجاح الانتخابات، لكن ما حدث العكس تماماً، فالإخوان تصلّبوا، مع أنّه كان بإمكانهم أن يوافقوا مبدئياً على العرض، ويطلبوا بعض التعديلات عليه.
الإخوان رفضوا المبادرات السابقة (جملةً وتفصيلاً)، وكان الأولى، مثلاً، أن يطلبوا بأن يوزّع "صوت المحافظة" (بدلاً من 12 مقعدا إضافيا) على المرشحين في الدوائر المختلفة (فيأتي للمرشّح صوت من دائرته وصوت آخر من دائرة أخرى في المحافظة)، ما يكسر تماماً سطوة الصوت الواحد، ويمنح القوى والشخصيات الوطنية فرصة أفضل بكثير للوصول إلى قبة البرلمان.
كان يمكن استثمار هذا العرض للمطالبة بالالتزام بتطبيق ما تمّ إنجازه من تعديلات دستورية، بالإفراج عن المعتقلين وتأكيد "مطبخ القرار" أنّ ذلك ليس من صلاحيات محكمة أمن الدولة، وغيرها من قضايا مهمة في مسيرة الإصلاح كان يمكن الحصول عليها، وتغيير المناخ السياسي في البلاد، لو تحلّى موقف الإخوان بقدر أكبر من التفكير الواقعي، ما يخدم جميع القوى السياسية.
المفارقة أنّنا كنا نسمع عن مبادرة يتم الإعداد لها داخل الجماعة للموافقة على العدول عن قرار المقاطعة في حال تمّت إضافة صوت آخر للقانون، وجدولة مطلب التعديلات الدستورية إلى ما بعد الانتخابات.
لكن موقف الجماعة جاء مغايراً لذلك، ما يعكس اختلافات داخل التنظيم نفسه، كانت سبباً مباشراً لرفض طلب الفايز، خشية من خسارة القواعد التنظيمية، من دون النظر إلى إيجاد مخرج للمسار السياسي المسدود الحالي.
الرهان على الشارع وحده اليوم بحاجة إلى إعادة نظر، هنالك حالة من السلبية لدى شريحة واسعة من كل شيء؛ الانتخابات والحراك على السواء، وحالة من الارتباك والتوتر والانشطارية لدى شريحة أخرى، وهنالك توترات اجتماعية، كل ذلك يجعل التعامل مع الشارع بحاجة إلى قراءة حذرة وأكثر عمقاً من استسهال عملية التحشيد والتعبئة لقواعد الحركة التقليدية!
بعض قادة الإخوان يخشون التراجع عن مسيرة يوم الجمعة القادم، وكأنّها أصبحت "غاية" بحد ذاتها، وأبسط الحسابات السياسية تقول – لو فرضنا نجحت المسيرة في حشد الـ50 ألفاً- إنّها لن تغير "موازين القوى" على الأرض، في المقابل ما نسمعه من صيحات تجنيد مقابلة تدفع إلى القلق أن تأخذنا أجواء ذلك اليوم إلى حدوث أخطار على السلم الأهلي!
ما أتمناه أن يجتمع قادة الحركة الإسلامية ويفكّروا بعمق مرّة أخرى بعرض الفايز، وأن يقدّموا جواباً أكثر دقة وواقعية، وأؤكّد لهم أنّه لم يكن من السهولة أبداً، حتى على "مطبخ القرار" قبول هذا العرض، الذي سيثير خصوم الإخوان داخل السيستم وخارجه!
m.aburumman@alghad.jo
الغد