الهروب الى الامام .. فهمي الكتوت
29-09-2012 06:30 PM
تحت ضغط الازمة المالية والاقتصادية التي تعاني منها منطقة اليورو، والدعوات الصريحة بالتخلي عن العملة الاوروبية، وتنبؤات كبار المحللين الاقتصاديين عن اقتراب تفكك منطقة اليورو، دعا رئيس المفوضية الاوروبية جوزيه مانويل باروسو لاقامة اتحاد فيدرالي للدول الاوروبية، وتأتي هذه الدعوة بهدف تطوير الاتحاد الأوروبي ليصبح اتحادا فيدراليا. معتبرا هذه الخطوة ضرورية لمواجهة الازمة الاقتصادية في القارة الاوروبية. وعكست تصريحات باروسو فشل كافة الاجراءات التي اتبعتها الحكومات لانتشال الاتحاد الاوروبي من الازمة المالية والاقتصادية، كما تعبر عن عدم الثقة بفعالية الاجراءات المتخذة بتحقيق انفراج اقتصادي، والمطالبة بخطوات اوسع لمواجهة الازمة، على الرغم من الاجراءات المصرفية التي اتخذها البنك المركزي الاوروبي بدعم سندات الدول المتعثرة، فالامر يتطلب اتحاد في السياسات المالية والمصرفية والاقتصادية من وجهة نظر باروسو. لكن هذا ليس سهلا فاقامة اتحاد بين اقتصادات قوية واخرى في غرف الانعاش سيكون ثمنه باهظا .
وقد جاءت دعوة رئيس المفوضية في ظل اشتداد الازمة، التي طالت دول مهمة مثل ايطاليا واسبانيا والبرتغال اضافة الى اليونان، وازدياد تكلفتها على الدول المانحة، اما المانيا التي تعتبر من اكبر اقتصادات اوروبا فقد تراجع اقتصادها للشهر الخامس على التوالي، وفقا لاخر مسح أجراه معهد "إيفو" للدراسات الاقتصادية، وتأتي نتائج المسح لتؤكد ازدياد تذمر الألمان إزاء موقف بلادهم بتقديم دعم للدول الأوروبية الغارقة بالديون، حيث كشف استطلاع للرأي حول مستقبل اليورو ان ثلثي الألمان يعتقدون أن بلادهم أفضل حالا من دون اليورو، مما اظهرعدم ارتياح في أكبر اقتصاد أوروبي. وقد عزز ذلك الاتجاه مخاوف الالمان من تراجع اقتصادهم بسبب الاعباء الاضافية التي ترتبت على دعم اقتصادات الدول التي تعاني من مشاكل مالية واقتصادية في اطار الوحدة النقدية. كما تعبر الحكومة الالمانية عن مخاوفها ايضا من استمرار الازمة، فقد اعلنت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في كلمة القتها أمام اجتماع لاتحاد الصناعات الألماني إن الأسواق المالية لا تثق بقدرة بعض الدول في منطقة اليورو على سداد ديونها على المدى الطويل، وإن العالم يتساءل عن مدى قدرة دول المنطقة على المنافسة.
لا اقلل من اهمية وحدة السياسات المالية والاقتصادية في ظل الوحدة النقدية، في حال توفر الارادة السياسية والاقتصادية لتحقيق اتحاد فيدرالي واستعداد الدول الكبرى وخاصة المانيا بتقديم تضحيات لصالح الدول الفقيرة في مجموعة اليورو لانجاح الفكرة. فهناك اهمية خاصة لقيام هذه الوحدة لتجاوز بعض المشاكل الاقتصادية التي تواجة الدول الاوروبية، فوجود عملة موحدة كما هو الحال في مجموعة اليورو يحرم الدول التي تعاني من ضعف التنافسية من تحقيق سياسة نقدية مرنة، تسهم في تحفيز الاقتصاد وتخفف من اثارالازمة المالية والاقتصادية. لكن السؤال الجوهري هل اقامة الاتحاد الفيدرالي لمجموعة اليورو ينهي الازمة المالية والاقتصادية، وهل تعافت اميركا من الازمة وهي تمثل اكبر اتحاد اقتصادي في العالم، وهل تعافت الدول الاوروبية التي لم تشترك في الوحدة النقدية وفي مقدمتها بريطانيا من الازمة ! ؟
من السذاجة الاعتقاد ان اقامة اتحاد فيدرالي ينهي الازمة المالية والاقتصادية في مجموعة اليورو، لا شك ان هناك اسباب اخرى وراء الازمة التي تعاني منها دول المجموعة والنظام الاقتصادي الراسمالي عامة، وهي تكمن في اسلوب الانتاج الراسمالي، والتناقض الحاد بين العمل ورأس المال، والذي يفضي الى ازمة اقتصادية عامة، بسبب غياب التوزيع العادل للثروة وتمركزها بايدي طبقة تشكل اقلية في المجتمع، فزيادة الانتاجية لا يرافقها قدرة استهلاكية عالية لدى العمال والفقراء والمهمشين في المجتمع ، الامر الذي يؤدي الى تكديس المنتجات في المخازن، والدخول في مرحلة الركود الاقتصادي التي تمهد الى مرحلة الكساد، وقد تميز الركود الاقتصادي في الازمة الحالية " بالركود التضخمي" ، على عكس طبيعة الازمات الكلاسيكية، فالمعروف ان مرحلة الركود الاقتصادي تؤدي الى انخفاض الاسعار بسبب قلة الطلب، مما يفتح الباب امام الاقبال على الاستهلاك والدخول في مرحلة الانتعاش في الدورة الاقتصادية. لكن الازمة الحالية لم تشهد انخفاضا بالاسعار على الرغم من مرور اكثر من اربع سنوات، سوى فترة محدودة بعد سبتمبر 2008 في ذروة الازمة، وسرعان ما عاودت الاسعار بالارتفاع، والسبب في ذلك ان الازمة لم تنحصر في صلب الاقتصاد وتنعكس مظاهرها على السوق، فقد انتقلت الازمة من قطاعات الاقتصاد الى الدولة، بما يعرف حاليا بالديون السيادية، لذلك فرضت هذه الدول ضرائب مرتفعة على المستهلكين، وخفضت الخدمات الاجتماعية، وانخفضت الاجور الفعلية كما ان بعض الدول كاليونان خفضت حتى الاجور الاسمية، واسهمت هذه الاجراءات بزيادة افقار المواطنين، وعرضتهم للاملاق المطلق، مما اسهم ذلك بتراجع النمو الاقتصادي، لفقدان القدرة الشرائية لدى جمهور المستهلكين، فالعلاقة جدلية بين تراجع النمو الاقتصادي، وزيادة معدلات البطالة . لذلك تشهد البلدان الراسمالية ارتفاعا في معدلات البطالة وانخفاضا في معدلات النمو الاقتصادي، فالسياسات التقشفية التي استخدمت لتخفيض عجز موازنات هذه الدول اسهمت في تفاقم الازمة.