في المغرب .. أقل من ملكية برلمانية
اسامة الرنتيسي
29-09-2012 05:24 AM
في الصالونات والجلسات السياسية، نسمع دائما وخاصة من المتطرفين الجدد، مقولة سياسية "يا حبذا لو نصل في الاصلاحات السياسية الى مستوى ما حصل في المغرب".
قصة المغرب استفزتني كثيرا، لأني سمعتها من شخصيات وازنة احترمها، وبالذات التي تطرح فكرة ضرورة التعديلات الدستورية.
ما بيننا وبين المغرب كثير من التشابه، لكن ما زال دستورنا متقدما مدنيا على الدستور المغربي الذي يتسم بالبعد الديني، في فقرات عديدة، وإذا كان المغاربة يتفقون بنسب عالية في قضية التعديلات الدستورية التي تنتقص من صلاحيات الملك، فإن قضية التعديلات الدستورية في الاردن لا تزال من دون غطاء شعبي، حتى الاطراف المنظمة التي تطرحها، لا يحمل هذه الافكار فيها سوى اشخاص لا يتعدون عدد اصابع اليد، في أي حزب، او حراك، حتى جماعة الملكية الدستورية، لم نعد نسمع لهم صوتا.
الخلاف الرئيسي في قضية التعديلات الدستورية التي تطرحها اصوات متطرفة، اننا لا ندري الى اي حضن سوف تصل النتائج مستقبلا، وإذا وصلت الى حضن الحزب الواحد، فكأننا لم نفعل شيئا، والافضل ان تبقى الحال على ما هو عليه.
التغييرات الهادئة التي حدثت في المغرب، وقادها العاهل المغربي الملك محمد السادس، تؤشر على تطورات مهمة في بنية التركيبة السياسية للمغرب الجديد، الذي ينتقل بسلاسة الى حكم يمكن ان يقال عنه انه اقل من برلماني ملكي مثلما تطمح كل قوى المعارضة المغربية.
الحذر في الحالة المغربية يمكن تلخيصه ، مثلما لخّصه المفكر العربي اجعايدي من مواجهة خطر قيام ما سمّاه بـ "ديمقراطية مُحاباة" يخضع من خلالها أصحاب القرار شكليا للضغوط الخارجية والداخلية المساندة للديمقراطية، من دون أن تتغير جوهريا قواعد اللعب، أي الشرط الضروري للوصول إلى "ديمقراطية القناعة".
الدستور المغربي الجديد (وللعلم شارك في صياغته خبراء دستوريون اردنيون) حاز على غالبية كاسحة من أصوات الناخبين الذين شاركوا في الاستفتاء 1 تموز.
ويقلص الدستور الجديد بعض صلاحيات الملك، لصالح دور اكبر وسلطات أوسع للحكومة والبرلمان، لكنه أبقى على الموقع الديني للملك بوصفه أميرا للمؤمنين، إضافة الى دوره كرئيس للدولة، حيث سيبقى على رأس مجلس الوزراء والجيش والهيئات الدينية والقضائية، وسيحق له إجراء التعيينات في الجيش. وخوّل الدستور الجديد صلاحيات واسعة للمجالس المنتخبة في إطار نظام اللامركزية الإدارية. وتعتبر النسبة الكبيرة من التأييد التي حظي بها الدستور الجديد، بمثابة إعلان ثقة من المغاربة بملكهم الذي أيّد التصويت لمصلحة التعديلات.
الفحص الحقيقي للتطورات السياسية في المغرب والمصادقة على الدستور الجديد باتا يفرضان انبثاق مؤسسات تشريعية وتنفيذية جديدة لترجمة مضامينه المتقدمة في فصل السلطات وإعادة توزيع الصلاحيات، وبالتالي إقرار قوانين تُطاول مدونة الانتخابات والاتفاق على نمط الانتخاب، والعبرة في الوثيقة الدستورية الجديدة هي القطع مع ممارسات كانت محكومة بشكليات حزبية وتحالفات هشة، تستند إلى ما يعرف بظاهرة "الترحال"، أي تغيير الانتساب الحزبي في أية لحظة.
الميزة السياسية للدستور الجديد في المغرب تتمثل في إعادة الاعتبار للأحزاب السياسية ودورها. وكما توّج دستور عام 1996، الذي أفسح المجال أمام بناء الثقة بين القصر والمعارضة، بتشكيل ما يعرف بـ "حكومة التناوب"، التي حملت أحزاب المعارضة إلى الحكومة، فإن الميزة المفترضة لدستور 2011 هي إلغاء الضغوط والإكراهات التي كانت تساهم في صناعة "خريطة التحالفات" على غير ما ينبثق من صناديق الاقتراع .
osama.rantesi@alarabalyawm.net
العرب اليوم