الخبر الذي نشرته "الغد" للزميل موفق كمال أول من أمس، شبيه سرقة شاب لحبة علكة، حركت الصديق محمد عمر لتذكر شخصية "جان فالجان" في رواية "البؤساء" لفيكتورهوغو؛ إذ كتب على صفحته الشخصية "في حدا بعده بتذكر رواية "البؤساء" لفكتور هوغو وجان فالجان الذي سرق رغيف خبز وتمت ملاحقته بشدة؟ القصة تجسد في الأردن.. لا تستغرب ففي البلد كل شيء بصير؛ فاسدون سرقوا مليارات يصولون ويجولون وسارق حبة علكة وأحرار يدافعون عن كرامة الوطن في السجن".
ولتقريب الصورة، ثمة خلل كبير يعترينا. وهذا الخلل أصبح يشكل حالة استثنائية تؤدي إلى صياغة نوادر وطرائف جديدة لحالة التراجع على كل الأصعدة، يعجز عن الأحاطة بها لندرتها وخيالها "الجاحظ" بجلالة قدره في التقاط غرائب وعجائب الحالة. فما حدث يذكرنا فعلا بأحداث تلك الرواية الخيالية. فماذا يعني مثول شاب أمام قاضي صلح مشتبه به بسرقة "حبة علكة" يصل ثمنها إلى 10 قروش من أحد "المولات"؟!
رواية البؤساء تتمحور حول شاب امتدت يده إلى رغيف خبز تحت طائلة العوز والجوع، ومن أجل إطعام اخته وأطفالها السبعة الجياع. ولكن المحكمة لم تأخذ بتلك الأسباب وأصدرت حكمها عليه بالسجن خمس سنوات مع الأشغال الشاقة. ولمرارة الحياة في السجن، حاول جان فالجان الهرب، لكنه أعيد إلى السجن مجددا مع إضافة فترة سجن أخرى على الحكم السابق. ثم تكرر الهرب وإعادته إلى السجن حتى امتدت العقوبة الفعلية إلى 19 سنة.. نعم 19 سنة من أجل رغيف خبز!
وعندما أطلق سراحه العام 1815، كان إنسانا بائسا ويائسا. وفي الوقت نفسه، كان قاسيا وحاقداً على المجتمع الذي لم يرحمه مع أخته وأطفالها السبعة الجياع، والذين يجهل مصيرهم الآن، متشوقا لاقتناص الفرصة لإنزال جام غضبه وعقابه على المجتمع.
رجل واحد فتح له قلبه ومسكنه، إنه الأسقف العجوز شارل ميريل، صاحب اليد الطولى في مساعدة الفقراء، كتب الأسقف ميريل على هامش الكتاب المقدس: "إن باب الطبيب يجب ألا يغلق.. وإن باب الأسقف يجب ان يظل مفتوحاً". ولكن جان فالجان الذي لم تهدأ ثورته ضد المجتمع وهو في أول عهده بالحرية سرق من الأسقف الأطباق الفضية الستة مع ملعقة الحساء الكبيرة التي ورثها الأسقف يوما. ومن أول ليلة آواه فيها بمسكنه، وغادر المنزل قبل خيوط الفجر الاولى. ولكن الدرك أعادوه إلى الأسقف في اليوم التالي لشكهم بسرقته الأطباق والملعقة. وظن جان فالجان أنه سيعود إلى السجن مجددا. غير أن الأسقف زعم أمام الدرك أنه منحه الأطباق والملعقة. بل وزاد على ذلك بأن أعطاه شمعدانين كان يستعملهما للاضاءة في منزله، وقال له بصوت خافت: "لا تنس أبدا أنك وعدتني بأن تستخدم هذه الآنية الفضية لتصبح رجلا صالحاً!".
كم منا يفكر اليوم في أن المجتمع يمكن إصلاحه دون كلف كبيرة، وأن ما يحدث من تصعيد وسجن غير مبرر يؤدي إلى مزيد من الاحتقان.
jihad.almheisen@alghad.jo