هناك دعوة حسنة النية لصياغة ميثاق اقتصادي أردني يكون عابراً للحكومات المتعاقبة، وملزمأً لجميع المسؤولين. وهي دعوة براقة ولكنها للأسف غير قابلة للتحليق.
لدينا في الأردن عدة تجارب مماثلة من أبرزها الميثاق الوطني والاجندة الوطنية، وبالرغم من الجهود المبذولة في الإعداد فقد وضعا على الرف بمجرد الانتهاء من الصياغة، وقبل أن تتم الطباعة. فهل هناك حاجة لتكرار التجربة.
الداعون للميثاق الاقتصادي العابر للحكومات يتفقون على الفكرة العامة ولكنهم لم يتفقوا على المضمون اكتفاء بعبارات عامة لا تثير جدلاً ولكنها لا تعني شيئاً، مثل وصف تلك المضامين بأنها «سياسات واضحة وقرارات ثابتة» وكأن شيئاً كهذا له وجود.
في الطريق إلى الميثاق الاقتصادي المنشود يستعمل الداعون له عبارات جميلة لا تعني شيئاً في الواقع مثل: رؤية وتوجهات الاردن الكلية، تحديد نهج وتقييم الخطوات اللازم اتباعها، إنجاز الفرص في مواجهة التحديات، العمل بشكل استراتيجي ممنهج، خطة ديناميكية اقتصادية لا تتغير بتغير الحكومات، ضرورة وجود إرادة سياسية، العمل ضمن إطار يحكمه العمل المؤسسي، إزالة الضبابية في التخطيط، تحقيق تصور واضح بشأن أمور الاقتصاد وعدم الخروج عنها، إيجاد بيئة عمل تتميز بالشفافية إلى آخره.
ويقول أحدهم أن النجاح يتحقق من خلال جهود جميع الفاعلين في الاقتصاد من القطاعين العام والخاص، في إطار واحد وشامل يوفر الكتلة الحرجة المطلوبة لإدارة الاقتصاد بفاعلية وخلق معدلات النمو والتنمية المستدامين.
هذه العبارات الإنشائية تصلح لتصريح صحفي، ولكنها لا تبني ميثاقاً، ولا ترسم استراتيجية، ولا تغير شيئاً على أرضية الواقع، وتترك لمن يشاء أن يفهمها كما يشاء.
الخطأ الأكبر الذي يكرره كثيرون في هذا السياق هو جواز إيجاد سياسات وقرارات وتوجهات عابرة للحكومات، فليس هناك شيء من هذا القبيل إلا في بلدان الحكم الشـمولي، حيث لا يزيد الوزراء عن مجموعة من الموظفين الذين لا رأي لهم، وتقتصر مهمتهم على تنفيذ برنامج موضوع لهم.
في بلد ديمقراطي، من حق أية حكومة جديدة أن تضع وتطبق برنامجها الخاص بها، وأن تغير أية وقائع سابقة لها إذا كانت تتعارض مع رؤيتها وبرنامجها الذي أنتخبت على أساسه.
الرأي