تحذير المصري .. يجب أن يُقرأ!
شحاده أبو بقر
25-09-2012 04:51 PM
يؤكد رئيس مجلس الأعيان طاهر المصري في لقاء له مع "وفد معارض"، رفضه القاطع لأي تصرف يقود إلى "إضعاف مفهوم الدولة"، وهنا نتوقف طويلاً وطويلاً جداً أمام هذا التعبير الذي يرقى إلى درجة التحذير القوي من "خطر شديد" يراه بعضنا ولا يراه البعض الآخر، وللأسف فإن الخطابين السياسي والإعلامي للدولة المعنية ما زالا قاصرين أمام شرح أبعاد هذا الخطر الذي لا أبالغ إن قلت انه مرعب، عندما لا يعي كثيرون من حسني النية من المعارضين والمحتجين إنهم إنما يسهمون مباشرة وبطرق غير مباشرة في هدم أركان دولة بناها آباؤهم وأجدادهم بقيادة العرش الهاشمي على مدى زهاء تسعة عقود وسط ظروف محلية وإقليمية ودولية بالغة الدقة والصعوبة والتعقيد!.
مرة أخرى نؤكد أن السواد الأكبر من شباب اليوم المحتجين تحت ضغط الفقر والبطالة وضنك العيش وما يسمعون ويقرأون عن داء الفساد بشقيه المالي والإداري، معذورون إذ لم يجدوا خطاباً وطنياً سياسياً وإعلامياً مؤسسيا يجعلهم ملمين بمراحل بناء الدولة بحلوها ومرها على أيدي رجال دولة حقيقيين وشهداء كثر هم آباؤهم وأجدادهم، وجميعهم قدموا تضحيات كبرى بعضهم قضى راضياً مرضياً، وقلة منهم ما زالت تنتظر، ولهذا فالكثرة من أولئك الشباب معذورون في كثير من تصرفاتهم عندما تعوزهم المعلومة الكفيلة باستفزاز مشاعرهم الوطنية إزاء دولتهم التي تأسست ونمت بالدم والسهر والشقاء والألم والمعاناة عبر عقود طويلة، وأفلتت من فم الغول ودهاء الشياطين بمعجزة!.
بالقطع يحتاج الأمر إلى وقفة تأمل من جانب كل وطني معارض أو محتج أو ناقم، والإجابة عن سؤال ذاتي محدد فحواه، هل الاستخفاف بالأردن الدولة وبرموزها وبمسيرتها وبمؤسساتها بدءاً من البرلمان والحكومة والأمن وصولاً إلى الديوان وسوى ذلك من مؤسسات الدولة، يخدم هدف الإصلاح أم يخدم مخطط أعداء الوطن الذين يمارسون الدهاء في إلقاء الطُعم تلو الطُعم لشباب ناقم على واقع لمواصلة الاندفاع في "تتفيه" سائر المؤسسات الوطنية وجميع رجالات الدولة الصالح والطالح على حد سواء!، إلا يعني ذلك وبوضوح أنه هدم ممنهج للدولة الأردنية وشطب بيّن لمفهوم وجودها كدولة!.
أنا لا أتحدث عن أشخاص ولا أدافع عن أحد، فالمخطئ لا بد وأن يحاسب، وإنما أتحدث عن مؤسسات وتحديداً "البرلمان، الحكومة، الديوان، المؤسسة الأمنية، وبضمنها الجيش"، فهذه مؤسسات تشكل في مجموعها "هيكل الدولة"، وإذا ما تلاشت هيبة تلك المؤسسات الكبرى وانعدمت ثقة الجيل بها، وصار جميع القائمين عليها موضع اتهام وتسفيه وشتم وإساءة وتجريح ... فهل يتبقى لنا في هذا البلد الحزين شيء اسمه دوله!.
يجب، نعم يجب أن نصحو جميعاً على هذا الخطر المرعب، فالإصلاح دواء يؤخذ على دفعات كي نشفى من علتنا، وأخذه دفعه واحدة وبطريقة خاطئة قاتل لا محالة، فهل هذا هو المطلوب، وهل علينا أن نفيق ذات يوم على دولة وقد انهارت بالكامل أو ماتت واقفة كالشجرة التي "تيبس" من تلقاء ذاتها إذ يهملها أصحابها بلا ماء ولا رعاية ولا وقاية من الآفات والحشرات ويمعنون في قتلها!.
نعم، تثير التساؤل وباستغراب شديد، مواقف البعض الذين يندفعون بحماس منقطع النظير في العمل بغير تقوى من أجل الإجهاز على "الدولة"، مستغلين فقرها وحجم النقمة في الشارع تأثراً بما يسمى بـ"الربيع العربي" الذي نلحظ ونتابع آثاره في العديد من دول العرب، بعد أن تم استغلاله من قبل أعداء الأمة المتربصين بها والذين يحولون مساراته تباعاً خدمة لمصالحهم وحدهم، عندما يفتحون الساحات كاملة لاقتتال العرب، وترك أوطانهم نهباً للخراب الذي يتطلب أصلاحه فيما لو استقرت الأمور لعشرات السنين كي تجد إسرائيل ضالتها المنشودة وبراحة تامة للتهويد والتهجير والهيمنة على المنطقة بأسرها!، فهل ننخرط في خدمة هذا الهدف الخطير بأيدينا باسم الإصلاح والتغيير والديمقراطية وحرية التعبير وما شابه من عناوين حق يراد بها باطل في كثير من الأحيان!!!.
نعم، لدينا جرح، لكنه جرح في الكف، وعندما يكون "الجرح في الكف" فإن كل وطني راشد يتقي الله حقاً، هو أبعد ما يكون عن الانتهازية للظروف، لا بل هو يداري عورات بلده، ويداويها في حدود ضيقة ومغلقة خارج أطر التشهير والصراخ، وبغير ذلك فهو سبب في خراب بلده وهدم دولته التي يحسده عليها الكثيرون، وبصراحة أكثر فمن يشتم الأردن ومؤسساته ورجالاته هو كمن يشتم "عرضه"، فالأوطان بيوت خلق الله، وفي داخل البيوت أعراض يجب أن تصان، ولا يشهر بها تحت أي ظرف أو مبرر كان، وإلا فلنقرأ على الأردن السلام، ولننتظر المجهول المعلوم المرعب الذي لا يخطط له إلا الأعداء الحاقدون المتربصون ولديهم اليوم ولسوء الحظ أوراق كثيرة. وأدوات كثيرة هي نحن الناقمون والمحتجين بحسن نية!.
يُشكر دولة رئيس مجلس الأعيان الأستاذ طاهر المصري على إشارته القوية تلك، فقد قالها علناً ولشباب معارضين مباشرة، فيما يقولها آخرون كثر ولكن داخل غرف مغلقة، خوفاً من أن يواجهوا بعش الدبابير الناقدة والمخونة والمتهمة وسط طوفان عارم من النقمة والاحتجاج، فالسلامة الذاتية في نظر هؤلاء الساكتين هي الأفضل حتى لو كان المقابل هو خراب البلاد والعباد، ولا حول ولا قوة إلا بالله!.