«البديل» هو الوطن البديل!
صالح القلاب
22-09-2012 03:39 AM
تكثر الدعوات والمطالبات ،في هذه الفترة التي تمر فيها السلطة الوطنية الفلسطينية بأزمة مالية وسياسية خانقة، بحل هذه السلطة وبإستقالة محمود عباس (أبو مازن) والعودة الى ما قبل عام 1993 عندما كان الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في تونس معلقاً من رموش عينيه حيث كانت قد ضاقت عليه الأرض بما رحبت وكانت قد صدرت «تعليمات» من أصحاب التعليمات بتجفيف مصادره وقطع كل المساعدات عنه وتركه يذبل رويداً رويداً كما تذبل نبتة برية في هجير الصحراء!!
ومع التقدير لكل الذين دأبوا على إطلاق مثل هذه الدعوات والمطالبات ،التي كان قد سبقهم «أبو مازن» الى التلويح بها مرات عدة وكلما اشتد عليه ضغط معادلة أوضاعه المالية والسياسية.. والتنظيمية الخانقة، فإنه لابد من تصور ما الذي سيحدث لو أن هذه «السلطة» القائمة قد انهارت ومعها منظمة التحرير وحركة «فتح» ومعها هذه الوضعية الفلسطينية القائمة دفعة واحدة وبقيت غزة في هيئة ضاحية بيروت الجنوبية تتأرجح بين «الولي الفقيه» في طهران وبين «المرشد العام» في القاهرة أو في أفضل الأحوال في هيئة حكومة عموم فلسطين برئاسة أحمد حلمي باشا التي ربما أن هذه الأجيال من الشبان الفلسطينيين والعرب لا تعرف عنها أي شيء.
لنتصور ما الذي سيحدث لو أن هذا «العقد» قد انفرط دفعة واحدة.. والمسألة هنا لا تحكمها الأحلام الوردية بعودة المقاومة الى ما كانت عليه في ذروة تألقها ولا الدوافع القومية يوم كان هناك بصيص أمل بالوحدة العربية وبالزحف العربي اللجب في اتجاه فلسطين وأيضاً ولا أن هناك الإتحاد السوفياتي وصين ماوتسي تونغ والمعسكر الإشتراكي وحركات التحرر التي تملأ أربع رياح الأرض.. بل تحكمها الوقائع على الأرض إنْ في فلسطين نفسها ،في الضفة الغربية وغزة، وإن في هذا الوطن العربي الذي كنا نحلم بوحدته من المحيط الى الخليج فتحول الى هذه الأوضاع المبكية وإن أيضاً في العالم الذي أصبح يقف على رِجلٍ واحدة هي رِجْل الولايات المتحدة الأميركية.
ولهذا فإنه علينا ،قبل أن نستغرق في هذه الأحلام الوردية وبأنَّ تشي غيفارا سيظهر في رام الله بديلاً لمحمود عباس (أبو مازن) إذا حُلَّت السلطة الوطنية ومعها منظمة التحرير وحركة «فتح»، أن ندرك أنه إذا إنهار كل شيء في الضفة الغربية فإن البديل سيكون حالة «صومالية» جديدة وأنه سيصبح في كل قرية ومدينة أمير حربٍ إما يتبع للمخابرات الإسرائيلية أو يتبع لإيران أو لأيٍّ من الأجهزة الاستخباراتية العربية وغير العربية التي اعتادت على الإصطياد في المياه العكرة.
وهنا فلربما أن أنسداد الأفق وقلة الحيلة وفقدان الأمل والإفلاس السياسي قد تدفع البعض ،»بعضنا»، الى القول :»عليَّ وعلى أعدائي» وإنه ألف أهلاً بهذه الحالة «الصومالية» إذا كان الإسرائيليون سيعانون أكثر مما سيعاني الفلسطينيون والعرب وإذا كان جمْرُ الفوضى المتوقعة سيحرق إسرائيل كما سيحرق «السلطة» و»المنظمة» وكل هذه الفصائل التي غدا أكثرها يشكل عبئاً ثقيلاً على الشعب الفلسطيني وعلى القضية الفلسطينية.
وحقيقة أن هذه التصورات المستندة الى عقلية «الإنتحار» هروباً من اليأس تذكرنا بتلك الفترة التي كنا قد طالبنا فيها ،عندما كانت هزيمة حزيران «يونيو» 1967 تمزق الوجدان العربي، بالإنسحاب من الأمم المتحدة وبحل الجامعة والإطاحة بالأنظمة العربية كلها التقدمية قبل الرجعية وبالطبع فإننا عندما كنا نطالب بكل هذا تحت ضغط وجع الضمائر لم نكن ندرك أن الإسرائيليين وغيرهم كانوا ينتظرون مثل هذه اللحظة ليصبح شعار :»من النيل الى الفرات» شعاراً واقعياً يمكن تحقيقه.
ومع التقدير لدوافع بعض الأردنيين الذين يطالبون بحل السلطة الوطنية والعودة الى ما قبل «أوسلو» في عام 1993 فإنه على هؤلاء أن يتصوروا ما الذي سيحدث عندما تصبح هناك حالة «صومالية» جديدة في الضفة الغربية.. إن الذي سيحدث ،بالإضافة الى ما سيلحق بالقضية الفلسطينية على الصعيد الدولي وعلى صعيد الأمل الذي لا يزال حياً رغم كل شيء بإقامة الدولة المستقلة، هو أن الأردن سيضطر الى استقبال أكبر هجرة إن في هذا القرن وإن في القرن الماضي وعندها فإننا سنجد حتماً أن بعبع ليس «الوطن البديل» فقط وإنما أيضاً «الحكم البديل» أمام أنوفنا هنا في عمان.. ولذلك ولكل هذا فإنه على من لم يدرك بعد سبب إصرارنا على ضرورة قيام دولة فلسطين المنشودة أن يدرك أن بديل هذه الدولة هو الدولة البديلة وهو الوطن البديل والحكم البديل.. والذنب ،إن حصل هذا وهو لن سيحصل لأن الشعب الفلسطيني المكافح لن يقبل بأي بديل لوطنه الذي لا وطن له غيره، فسيكون ذنب الذين يدفعون «أبو مازن» إن عن وعي أو عن غير وعي الى مثل هذه الخطوة الإنتحارية.
الرأي