أصحو على كَدَر كل ّصبّاح، وأسأل الأسئلة ذاتها منذ امتهان الإعلام ولا أجد جواباً، فربما كانت المحنة أقل وطأة لو لم أختر الصحافة الثقافية بيتاً لي.
الإشارة إلى "إدعاء" السلطة الرابعة الحياد والنزاهة مسألة محسومة لديّ، ولا أسعى لتغييرها، ما دامت رسائلنا الإعلامية تذهب في إتجاه محدد، وتوصل غاية بعينها.
ولا يزعجني أيضاً التحريض الذي يمارسه زملاء، ما دامت اللغة نفسها فعل تحريض دائما نقوم به قسراً واختياراً، ولا معنى لأحاديثنا إن كانت مجرد وجهات نظر منزوعة عن سياقها ومتلقيها وردود الفعل حولها.
وبالطبع، لن أستغرب التضليل الذي تقوم به وكالات أنباء وفضائيات عبر إغفالها حقيقة وتظهيرها أخرى، أو تسمية الأشياء بغير مسمياتها، وتضخيم حدث أو التقليل من أهميته، أو الترويج لأشخاص بغرض تأهليهم، فما الفائدة المرجوة من إهدار الملايين على مؤسسات وربطها بالسلطة وأجهزة الأمن، من أجل قول الحقيقة!.
ولست معنياً بالصراخ ليل نهار بسبب "فبركات" الإعلام، والتدليل على ذلك بعشرات ومئات الشواهد، سواء ببث صورة مزورة، أو نسج قصص متخيلة، سعياً لإسقاط أنظمة أو تجييش الرأي العام ضد شخصية أو حزب أو سياسات دول.
"صناعة الوهم" هذه باتت معروفة ويتسابق البسطاء على فضح "جرائم" الإعلام، ولو بعد حين، غير أنني مهموم بتلك الصفحات الثقافية التي لا تعني كثيراً من القراء.
صفحات تتبرع في تسطيح الأفكار، والجري – عبثاً- وراء "موضوع الساعة"، فلا نرى من الفعاليات والنشاطات التي تغطيها غير عناوين براقة وصوراً لمثقفين تضخمت ميكروفاناتهم، واقتباسات من "مدائح" يردّدونها في "أعراس" لن تنتهي.
وإلى جانب التغطيات "الكرنفالية" قد تُنشر مقالات وتقارير تعتمد منهجاً مدرسياً لنقد الإصدارات والمشروعات الجديدة، أو تتحدث عن عمل فني أو أدبي بلغة مستعارة من إعلانات مطاعم الوجبات الجاهزة وشركات الاتصالات ومحال التصفية.
تصبح الثقافة مجرد حدث إعلامي يدخل أصحابها في السيرك، حيث يتفرجون تباعاً على عروض بعضهم بعضاً في دخول وخروج دائمين.
mahmoud1st@hotmail.com
العرب اليوم