هل نرى حكومة برلمانية في الأردن؟
فهد الخيطان
18-09-2012 05:54 AM
تشكل الحكومة البرلمانية الهدف الأساسي لعملية الإصلاح السياسي في الأردن. وقد أشار الملك عبدالله الثاني في مقابلته الأخيرة مع "الفرنسية"، إلى أن الانتخابات المقبلة هي المتطلب الأساسي لمثل هذا التحول. لكن الملك، وبقدر تمسكه بهذا الهدف، بدا حذرا في تفاؤله بإمكانية تحقيق هذا التحول من خلال المجلس النيابي الجديد، بقوله: "إننا لا نزال نفتقر إلى أحزاب سياسية قوية تمثل اليمين واليسار والوسط. لكن من المحتمل أن يتكون البرلمان القادم من عدة أحزاب سياسية وبعض المستقلين التي من المتوقع أن تشكل ائتلافات فيما بينها وتفرز حكومة برلمانية".
تتعدد أشكال الحكومات البرلمانية في الدولة الديمقراطية، تبعا لظروف التحول الديمقراطي وخريطة القوى الحزبية والنظام الانتخابي المعمول به. هناك دول مثل بريطانيا التي يهيمن فيها حزبان رئيسان على الحياة البرلمانية، تتشكل فيها الحكومات في العادة من حزب واحد؛ إما العمال أو المحافظون، باستثناء الحكومة الحالية التي تضم إلى جانب "المحافظين" حزب الأحرار. أما في دول مثل إيطاليا، فإن الصيغة الائتلافية هي السائدة. وتتنوع صيغ الحكومات البرلمانية من حيث تركيبتها؛ ففي بعض التجارب تتشكل الحكومة من أعضاء مجلس النواب الفائزين بالانتخابات، بينما في دول أخرى يشكل الحزب أو الأحزاب الفائزة الحكومة من أعضاء الحزب والمحسوبين عليه من غير النواب.
منذ التحول الديمقراطي في الأردن قبل 23 عاما، لم تتشكل حكومة برلمانية بمعنى الكلمة. كان هناك ما يمكن وصفه بـ"حكومات بنكهة برلمانية"؛ فقد لجأ بعض رؤساء الحكومات إلى تطعيم وزاراتهم بعدد من النواب. لكن هذا لم يكن كافيا لضمان أغلبية نيابية مستقرة تدعم الحكومة. ودخول النواب للحكومات كان في أغلب الأحيان بشكل فردي، ولا يعكس تفاهما أو اتفاقا بين كتل برلمانية. وبعد حكومة عبدالكريم الكباريتي التي استقالت العام 1997، لم يشارك النواب في أي من الحكومات المتعاقبة.
الدعوة إلى حكومات برلمانية في هذه المرحلة تأتي في سياق تصور أشمل لإصلاح بنية النظام السياسي، وتطوير أسلوب ممارسة الحكم، بما يتواءم مع شروط الدولة الديمقراطية المعروفة عالميا. لكن صعوبات جمة تقف في وجه تطبيقها، أبرزها طبيعة النظام الانتخابي الذي لا يسمح بقيام كتل برلمانية وحزبية مستقرة. وإذا ما تجاوزنا هذه العقدة، وشجعنا النواب المستقلين، وهم الأغلبية في البرلمان المقبل كما هو مرجح، فإن النظام الداخلي لمجلس النواب يظهر كعقبة كأداء في وجهنا؛ النظام الداخلي للمجلس لا يتضمن أي إشارة إلى الكتل البرلمانية، ولا ينص على حقوق تذكر للكتل. وقد تنبه نواب في وقت مبكر للحاجة إلى تعديل النظام الداخلي لتوفير الحوافز اللازمة لتشجيع النواب على الانخراط في كتل برلمانية والالتزام بعضويتها، وتم إعداد رزمة التعديلات المطلوبة، إلا أن المجالس النيابية فوتت فرصة إقرارها أكثر من مرة، وبشكل متعمد من قبل أقطاب في المجلس يخشون على نفوذهم ونجوميتهم في حال مأسسة عمل المجلس.
يتعين التفكير بطريقة خلاقة لإنجاز هذه التعديلات مع قدوم المجلس الجديد، ليتسنى للدولة تحقيق هدفها ولو بشكل أولي. بخلاف ذلك، فإن الملك سيكون مضطرا لمشاورة 150 نائبا كلا على حدة قبل اختيار رئيس الوزراء المكلف. كما ينبغي التوافق في وقت مبكر على المبادئ الأساسية التي تحكم تشكيل الحكومة البرلمانية، والإجابة عن سؤال رئيس: هل يكون رئيس الوزراء والوزراء من النواب، أم يرشح تكتل الأغلبية، إن وجد، تشكيلة وزارية من خارج المجلس؟
الغد