ستبقى الأمور في إطارها الصحيح إذا لم تسع "الجماعة" إلى التصعيد الميداني .
للأسف ، أخطأت جماعة الاخوان المسلمين وذراعها السياسية حزب جبهة العمل الإسلامي من عدم التقاط رسالة جلالة الملك عبدالله الثاني بدعوته للمشاركة في الانتخابات النيابية ، وعدم عزل أنفسهم عن العملية السياسية، والأسوأ أن تبقى القيادة مصرة على الخطأ ، و تصدر البيانات وردود الأفعال من دون استيعاب الفكرة الرئيسية من رسائل الدولة.
وقد سبق أن فشلت وساطات كثيرة بين "الإخوان" والدولة في محاولة لإعادتهم إلى العملية السياسية، فليس معقولا أن يكون الإخوان مشاركين في الانتخابات في تونس ومصر وليبيا بينما هم في الأردن خارجها ويرفضون المشاركة فيها.
لا نريد التهويل، لكن يبدو أن هناك افتراقا سياسيا بين "الإخوان" والدولة ، فهل تدرك الجماعة أن اختيارها للشارع فيه إقصاء ذاتي؟ وهل تستدرك القيادة أن العودة إلى حضن الدولة يبقى افضل بكثير من البقاء في الشارع؟ وإصدار البيانات والتطمينات بأن شعارهم لن يزيد عن "إصلاح النظام"، هل تدرك "الجماعة "مدى الذعر الذي تركته كلمة المراقب العام الدكتور همام سعيد " تغيير في بنية النظام"، لدى المجتمع الأردني ؟ هل تدرك مدى الضرر الذي لحقها بعد إعلانها المجلس الأعلى للإصلاح من طرف واحد من دون أي شريك سياسي؟
الانتخابات ليست هي نهاية الدنيا، وحتى المشاركة فيها أو مقاطعتها لا تعني الكثير في إطار العمل السياسي كعمل يومي منهجي تراكمي، فما لا تحصل عليه اليوم يمكن أن تحصل عليه غدا، والديمقراطية بحد ذاتها عملية متواصلة لا نهاية لها .
لكن يبدو أن قيادة الإخوان تعتقد أن "في كل مرة تسلم الجرة " وأن لا احد يقدر عليهم وقد حاولت حكومات كثيرة النيل منهم ولم تستطع أن تفعل شيئا، وهذا كلام غير واقعي، فالترخيص القانوني للجماعة صدر بقرار ويمكن أن ينتهي أو يتحول بقرار مماثل، لكن المطلوب من قيادة جماعة الإخوان أن تتدارك الأمر وتصحح العلاقة ضمن معادلة جديدة ومقاييس وضوابط يتم الاتفاق عليها، ولا تذهب إلى الطلاق مع الدولة بصفته "أبغض الحلال".
وبكل وضوح فإن الإشكالية بين الدولة وجماعة الإخوان المسلمين تجاوزت الانتخابات النيابية ؛ لأن الإصرار على تعديل الدستور وتقليص صلاحيات الملك وإقرار قانون انتخابات على مقاسهم هو وضع للعربة أمام الحصان ودعوة للصدام ، فالإصلاح يتم من خلال البرلمان ، فهو بوابة التغيير وقد قالها جلالة الملك "تعالوا لتغيروا " وكل شيء قابل للنقاش تحت القبة.
وهنا ستبقى كل الأمور في إطارها الصحيح إذا بقيت "المقاطعة" في إطار الاستنكاف، لكن الخطورة أن تتحول إلى تصعيد ميداني ومحاولة التأثير سلبا على العملية الانتخابية تسجيلا واقتراعا، وخاصة أننا بدأنا نسمع الحديث عن اتهامات "التزوير" قبل تحديد موعد الانتخابات، فإذا سرنا في هذا الطريق فإن له تكلفة عالية، وقد يؤدي إلى صدام مباشر مع الدولة التي لديها أوراق قانونية كثيرة يمكن أن تلعب فيها ضد "الإخوان".
ولنعترف أن أحزاب المعارضة أيضا في وضع حرج، فهم للآن لم يعطوا قرارا نهائيا ، وهناك أسباب عديده منها داخلية تتعلق بعدم وجود فرص أو حتى مرشحين، فهل تشارك من دون أن تحصل على شيء من الكعكة ؟
nghishano@yahoo.com
العرب اليوم