أما وقد انتهت التكهنات والتوقعات، وانجلت الضبابية حول مصير مجلس النواب السادس عشر، بتأكيد رأس الدولة على إجراء انتخابات "مبكرة" قبل نهاية العام، فإنه لم يتبق سوى حشد الطاقات اللوجستية اللازمة للذهاب إلى صناديق الاقتراع، وانتخاب مجلس نيابي جديد، نمني النفس بأن يكون مختلفا عن سابقيه، السادس عشر والخامس عشر على أقل تقدير.
نعم، كنا نأمل أن نذهب إلى انتخابات مبكرة بتوافقية ومشاركة أكثر، وبقانون انتخاب أكثر إقناعا لجمهور المواطنين والساسة على حد سواء، وبوضع اقتصادي أكثر استقرارا، وبحالة أمنية مريحة وغير مضطربة، ولكن، أما وقد حصل، فإن من واجبنا أن نتفق على أهمية النهوض بالوطن، والحفاظ على لحمته واستقراره، وبالتالي أن نضع نقطة، ونبدأ سطرا جديدا، أساسه توافق للعبور للإصلاح المنشود من خلال انتخابات نزيهة، وشفافة، ونظيفة، لا تشوبها شائبة تزوير أو لعب بالنتائج.
ما نأمله رؤية انتخابات خالية من العنف والانفلات الأمني، وأن تثبت الدولة قدرتها على ضبط العملية الانتخابية من الطرة حتى المدورة ومن الشونة حتى الأرزق.
نريد انتخابات تفرز مجلسا نيابيا قادرا على التشريع والرقابة، وغير مطواع بيد الحكومة، يحاسب عندما تكون محاسبة الحكومات واجبة، ويشرع ما يفيد مصالح الوطن العليا، بعيدا عن رغبات هذا الطرف أو ذاك، مجلس لا يستجيب لضغط أحد، ويرفضه، ويعري مرتكبيه.
طريق إصلاحنا المنشود يبدأ من كل ذاك، ويمكننا في حال حققناه تعبيد الطريق لإصلاح مستقبلي يجمع الكل تحت خيمة الوطن، ويجعل قوى سياسية مؤثرة تعيد التفكير في لعب دورها الحقيقي في الرقابة والتشريع، داخل قبة التشريع، عندما تعود الهيبة لها.
نمني النفس أن تنجح الهيئة المستقلة للإشراف على الانتخابات التي تقوم بجهود جبارة في حث المواطنين على التسجيل للانتخابات المقبلة، وتنجح في إدارة العملية الانتخابية من بابها لمحرابها، ولديها اليد الطولى في إعلان النتائج، وتفعيل الشفافية والنزاهة بعيدا عن تصويت جماعي، وبطاقات مشكوك في أمرها.
للحق، فإن "الهيئة" تقوم حتى الآن بما يتوجب عليها القيام به، وتراقب آلية توزيع البطاقات الانتخابية بشكل منطقي، وتعمل على ضبط ومنع أي تلاعب، وتبدو حريصة على شفافية التجربة، ونظافتها، ولكن العبرة في الخواتم دائما وليس في المقدمات.
إن الجميع يرغبون بالوصول في نهاية العام الى انتخابات دسمة، وإن كان يغيب عنها قوى سياسية كالإخوان المسلمين وقوى معارضة أخرى، وأن تفرز تلك الانتخابات مجلسا نيابيا سيدا، يمكن أن يلعب دورا مهما في عملية الإصلاح المستقبلية، وقادر على تعديل القوانين التي يتوجب تعديلها، مجلس لا ينظر الى الآخر بعين الشك والريبة والتخوين، وإنما لديه القناعة بضرورة منح الآخر الحق في قول كلمته، ويحترم الاختلاف معه في الرأي والرؤية، ويقتنع أن الجميع هدفهم الوطن أولا وأخيرا.
اذا استطعنا أن نؤمّن الوصول إلى الانتخابات المقبلة بدون عنف مجتمعي، واعتداء على صناديق الاقتراع في مناطق بعيدة، وأمّنا نتائج خالية من اللعب والعبث، يمكن وقتها أن ننظر للمجلس المقبل بعين التغيير، وأن يكون شريكا في صنع القرار في الدولة، ويدخل تعديلات جوهرية على قانون الانتخاب الحالي، وأخرى على قوانين مشابهة ذات صلة بمسيرة الديمقراطية، ويقدم نفسه كسلطة تشريعية مهابة الجانب، تعيد الهيبة لمؤسسة مجلس النواب التي تهاوت مؤخرا بفعل المجلسين السابقين اللذين قدما صورة قاتمة عن السلطة التشريعية، وأدخلا الشك عند جمهور المواطنين في دور مجلس النواب وقدرته على الرقابة والتشريع.
في كل الأحوال، وبعيدا عن كل المحاذير السالفة الذكر والتخوفات المنطقية، فإن ما يبدو حتى الآن هو أننا ذاهبون إلى مجلس نيابي جديد نهاية العام، وبالتالي علينا جميعا أن نحاول أن نضع نقطة ونبدأ سطرا جديدا، على أمل أن يكون الأفق المقبل أوسع وتصدق هذه المرة رؤية الإصلاح.
Jihad.mansi@alghad.j
الغد